في زيارته للصين يوم السبت، حذر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك من أن الاقتصاد العالمي على "شفير الخطر" بسبب تراكم الديون السيادية، وتباطؤ الانتعاش الاقتصادي، وتناقض ثقة المستثمرين في صحة الاقتصاد، وذلك بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء لمستويات غير مسبوقة، والتذبذب في أسواق السلع الأولية.

وكنت كتبتُ الأسبوع الماضي في "الوطن" عن تحذير كريستين لاجارد، المديرة الجديدة لصندوق النقد الدولي، من نكسة جديدة في الاقتصاد العالمي، حين قالت في مؤتمر دولي في الولايات المتحدة إن السياسات المالية والاقتصادية للدول الكبرى تهدد بتراجع في الاقتصاد العالمي. وقالت إن على تلك الدول أن تتخذ خطوات راديكالية وسريعة، لإخراج اقتصاداتها من "مرحلة الخطر" الحالية. وبدون ذلك فإن ثمة خطراً بأن تنحرف سياسات الإنعاش عن مسارها.

وهكذا نجد أن رئيسي أكبر مؤسستين اقتصاديتين في العالم (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) وهما يحذران، خلال أسبوع واحد، من نكسة اقتصادية كبيرة تهدد الاقتصاد العالمي، فقد قال روبرت زوليك خلال زيارته للصين هذا الأسبوع إنه يتوقع أن يكون خريف هذا العام خريف أزمة مالية في أوروبا بسبب أزمة الديون السيادية وتأثيراتها على الوحدة النقدية الأوروبية، وهي أزمة ستصل تداعياتها إلى بقية دول العالم، وقال إن على الولايات المتحدة أن تصلح بيتها الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بمعالجة مشكلة تزايد الدين الحكومي والإنفاق، وإصلاح الضرائب.

أما الصين، فقد طلب منها زوليك أن تتبنى إصلاحات اقتصادية تهدف إلى رفع مستوى المعيشة للمواطن الصيني، وليس التركيز على الاستثمار والتصدير فقط، وهما ما تركز عليه السياسة الصينية حتى الآن، كما طالب بأن تكون تنمية الصين متوازنة بين الريف والمدن، وأن تسعى الحكومة إلى تقليل الفروق في التنمية بين الريف والمدن.

وهذه النصيحة من المفارقات التي قد تثير ابتسام المؤرخين، فهي نصيحة غريبة بعض الشيء يقدمها رئيس البنك الدولي، وزير التجارة الخارجية السابق في الولايات المتحدة، والوصي على أحد أهم مؤسسات النظام الدولي، إلى حكومة الصين الشعبية، التي يحكمها الحزب الشيوعي، حزب ماو الذي نادى بإعطاء دور أكبر للريف، أي للفلاحين، الذين كانوا أساس نجاح الحزب الشيوعي في الوصول إلى السلطة. أما اليوم فيبدو أن هؤلاء الفلاحين بحاجة إلى "واسطة" من الغرب لإنصافهم!

والسؤال الذي أريد أن أطرحه: ماذا أعددنا في منطقتنا لهذه النكسة في الاقتصاد العالمي؟

وقد يقول قائل: وماذا يهمنا من صحة الاقتصاد العالمي ما دامت أسعار البترول مرتفعة، وبالتالي فإن معدلات النمو الاقتصادي لدينا ستظل في مستويات تبعدنا عن خطر الركود الاقتصادي؟

والجواب أن الأزمة الاقتصادية العالمية أينما كانت تؤثر في أسواقنا وفي اقتصادنا بشكل مباشر، فكما قال زوليك، فإن القرارات التي تتخذها أي دولة، سواء كانت في أوروبا أو أميركا، أو غيرهما، ستكون لها تبعات وتداعيات في جميع أنحاء العالم. هذا في الأحوال العادية، فما بالك بالاقتصاد الخليجي الذي يعتمد اعتماداً شبه كلي على تصدير النفط الخام؟ فالنفط ما زال سلعتنا الرئيسية، وتصديره مصدر دخلنا الأساسي، وأسواق النفط تعتمد اعتماداً أساسياً على صحة الاقتصاد العالمي.

ولم نتمكن حتى الآن مع الأسف من تنويع اقتصاداتنا بشكل يبعد آثار التقلبات في الاقتصاد العالمي عن أسواقنا. فكما رأينا عصفت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بأسعار البترول، لولا أن الاضطرابات السياسية التي عمت المنطقة منذ أواخر عام 2010، رفعت أسعار البترول الخام، على الرغم من استمرار الركود الاقتصادي العالمي، وانخفاض الطلب على البترول.

ومن حسن الحظ كذلك أن لدينا من الفوائض ما يعطينا فسحة من الوقت، وإن كانت قليلة، للوصول إلى ذلك الهدف، وتحصين الاقتصاد المحلي ضد آثار الكساد الاقتصادي الدولي، ولكن ذلك إلى حين، إذ إن الفوائض المالية، واحتياطيات البترول، ستأتي إلى نهاية محتومة، يختلف الخبراء على موعدها لا على حتميتها.

ولذلك فإن وقت الإصلاح والاستعداد هو الآن وليس بعد وقوع الأزمة. وكما يقول مثل أميركي، فإن أحسن وقت لإصلاح سقف المنزل هو وقت سطوع الشمس، وليس بعد أن تبدأ العاصفة ويتعذر حينها إصلاحه.

والإصلاح يشمل ترشيد الإنفاق، وليس بالضرروة تخفيضه، وتحويله إلى إيجاد مصادر دائمة للدخل الحكومي وللنمو الاقتصادي. ويشمل كذلك ترشيد استخدام الطاقة، فالنمو المتزايد في استخدام الطاقة لدينا ليس مؤشراً مع الأسف للنمو في الصناعات التحويلية، كما هو في الدول الصناعية، أو في القطاعات الإنتاجية الأخرى، ولكنه انعكاس للإسراف في استهلاك الطاقة بسبب تكلفتها المنخفضة.

وأول خطوة، كما يقول علماء النفس، أن نعترف بوجود المشكلة ونبدأ في مناقشتها، أما الحلول فهي متوفرة ومعروفة.