قال أستاذ الآداب في جامعة أم القرى الدكتور محمد رحموني "إن مشروع الإسلام هو المدنية والحضارة ونقل الإنسان من الجهل بالأشياء إلى معرفة حدودها ومدلولاتها"، موضحاً أن لفظة الحدود وردت في القرآن في خمس عشرة آية، تراوحت معانيها بين الدعوة إلى احترام حدود الله ورسوله والتحذير من سوء عاقبة تعدي تلك الحدود.
جاء ذلك خلال محاضرته "مفهوم الحدود في القرآن الكريم: مقاربة أنثروبولوجية"، مساء أول من أمس في نادي الأحساء الأدبي، وأدارها عضو مجلس النادي الناقد محمد الحرز.
واستعرض رحموني حياة البداوة من الناحية التاريخية التي عاشت في فترة الرسالة المحمدية، ذاكرا أن جل التشريعات القرآنية كانت موجهة إلى الأعراب، تعلمهم كيف يأكلون وكيف يشربون، وكيف يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف يطرقون الأبواب، وبالتالي فهي قيم ثقافية ولكي تؤتي أكلها لابد لها من مقر، فالثقافة سياج، وإن المدنية لهي السياج الأمثل للثقافة، مضيفًا أنه في ظل هذا الفضاء لا يمكن للبدوي- قديماً - أن يعرف الحدود، ففضاؤه الذي يتحرك فيه بلا حدود، وإن وجدت فهي سماعية أي افتراضية، مستشهدًَا بقول الأصفهاني في "أغانيه" أن كليب بن ربيعة كان إذا نزل منزلاً به كلأ قذف فيه جرو كلاب فيعوي فحيثما وصل عواؤه فتلك حدود لا يردها أحد إلا بإذن".
وأوضح رحموني "الملاحظ أن الخطاب في كل آيات الحدود موجه إلى مخاطب غير محدد، والآية الوحيدة التي عين فيها القرآن الكريم مخاطبًا بعينه هي، قول الله تعالى "الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله". وعرض رحموني رأي فلاسفة العقد الاجتماعي الذين بينوا الارتباط الوثيق بين وجود فكرة الحدود المرتبطة بملكية الأرض وانتقال الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة التي أدت بدورها إلى نشأة فكرة القانون التي تمثل المظهر الأكثر وضوحًا لخروج الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة، مستشهداً برأي "جون لوك": إن الجماعات البدائية لم تعرف ملكية الأرض وإنما ملكية منتجاتها عن طريق الصيد والنهب والقتل، وأن ملكية الأرض لم تصبح أمراً ممكناً إلا عندما ارتقى الإنسان إلى حالة الثقافة. وأشار الشيخ عادل أبوخمسين في مداخلته إلى حال الأعراب من خلال الآية الكريمة "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ولكن قولوا أسلمنا"، ذاكراً أن الإسلام أخرجهم من الإطار القبلي إلى الحضارة والنظام عن طريق الهجرة وبناء الجانب الأخلاقي والثقافي.
وكان الناقد الحرز، اعتبر أن القرآن الكريم بوصفه نصاً تأسيسياً في الحضارة الإسلامية لم ينفك منذ عصر النهضة إلى الآن يلقي بإشكاليات قراءته على المسلمين تحدياً كبيراً قل نظيره في الحضارات الأخرى.