تبدو إطلالة العملاق ( نيلسون مانديلا ) ظهر هذا اليوم في ملعب جوهانسبرج أكثر سيطرة على الحدث العالمي من افتتاح كأس العالم نفسه. شكراً للتاريخ الذي أنصف هذا الفرد الاستثنائي في حالة نادرة. لم يسبق لثائر في التاريخ المعاصر أن تسامى وارتفع فوق الجراح مثلما فعل نيلسون مانديلا. سبعة وعشرون عاماً من السجن في ثلاثة أمتار مربعة وحين حانت لحظة الخروج التاريخي لم يفعل ولم يدع إلا ما تستلزمه المسؤولية التاريخية لقائد أمام شعب. بدلاً من أن يدعو إلى الثأر ركز على التسامح، وبدلاً من أن يغرس في شعبه نشوة الانتصار بتوابعه من الغطرسة، دعا إلى التواضع، وبدلاً من أن يبذر روح العنصرية المضادة بعد جدار الفصل العنصري الطويل دعا إلى التعايش. بدلاً من الحرب المضادة لحظة الانتصار لم يستشرف نيلسون مانديلا إلا مستقبل شعب ، وحين كان له الخيار في نائبه كأول زعيم إفريقي في بلده لم يذهب خياره إلا لزعيم الأقلية البيضاء، دي كليرك، فكانت قمة تناقض الألوان ، ولكن كي يصل هذا الزعيم الاستثنائي إلى لون واحد من أجل شعب. كان نيلسون مانديلا خطبة متواصلة من التسامح والتعايش والقفز على الآلام والجراح ولغة العفو والصفح. كان عظيماً وهو يبرر هذا المسلك الإنساني بالقول إن الإنسان الحق هو ذاك الذي لا يكرر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه. والمدهش الاستثنائي أن الصحيفة الأكبر انتشاراً في بلده اليوم تنشر استطلاعها عن شعبيته الطاغية لا كما هو المتوقع بين بني لونه وجلده، بل بين أبناء الأقلية البيضاء ، واللافت أكثر من هذا أن حياته الشخصية اليوم لا تستلزم أكثر من حارسين بحسب ذات الصحيفة. باسم نيلسون مانديلا ترتفع اليوم لوحات 82 شارعاً رئيساً في مدن القارات الست وثلاثة عشر تمثالاً لا يوازي واحدا منها قامته الفارعة، ولعل آخرها ذلك – النصب – الخالد أمام بوابة مبنى البرلمان البريطاني. هكذا كان نيلسون مانديلا درساً تاريخياً ومثالاً استثنائياً في عالم يعود إليه بعد ظهر اليوم لا ليفتتح الحدث كضيف شرف بل ليسيطر عليه.