قضى الشعب الأفغاني الأيام القليلة الأخيرة من رمضان في خوف كبير، خاصة في العاصمة كابول، بسبب الخوف والقلق من تهديدات أمنية أدت إلى إغلاق مناطق كاملة من العاصمة وغيرها من المدن الأفغانية. الحكومة لم تبلغ الشعب مطلقا أي المدن تتعرض للخطر الأكبر من التهديدات الإرهابية، لكن وجود الدبابات والعربات المدرعة في الأحياء أدى لإغلاق مكاتب دولية هامة مثل مكتب الأمم المتحدة والسفارات وغيرها من المكاتب الرسمية.
الناس يتهامسون بأن عناصر طالبان يعتقدون أن الشهادة في رمضان، خاصة في الأيام الأخيرة منه، لها أجر أعظم، ولذلك تكثر التهديدات الأمنية خوفا من عمليات انتحارية يقومون بها. في يوم الثلاثاء، أول أيام العيد، تم رفع الاستعداد الأمني إلى درجة عالية جدا وطلب من جميع الأجانب التزام منازلهم وقواعدهم.
هذا ما تبدو عليه الحياة بشكل عام في أفغانستان، مليئة بالخوف وخيبة الأمل والقلق. ولكن رغم الخوف المنتشر في كابول وتحديد الحركة فيها، يبدو الناس سعداء مقارنة بأيام حكم طالبان. الحرية التي يضمنها الدستور الأفغاني الآن تعطي الحق للشعب بارتداء ما يريدونه من الملابس والعيش بالطريقة التي يختارونها دون أن يضايقهم أحد في الشارع أو في منازلهم. وإذا وضعنا الفساد جانبا، فإن أي شخص عادي في أفغانستان يستطيع أن يرشح نفسه للمناصب العامة. الحكومة المركزية ضعيفة والأمن هش، ولكن بفضل الدول المانحة ازداد دخل المواطنين الأفغان وازدادت فرص عملهم.
قبل يومين من عيد الفطر، أصدر الملا عمر، الزعيم الروحي لحركة طالبان، رسالة تهنئة أشار فيها إلى أن الوضع في أفغانستان يجب أن يتم حله بطريقة مشروعة. الطريقة المشروعة بالنسبة للملا عمر ربما تعني استعداد حركة طالبان لدخول مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأفغانية. وكان قادة طالبان قد رفضوا سابقا عدة عروض للشروع في مفاوضات سلام لأن الحكومة الأفغانية، من وجهة نظر حركة طالبان، ليست شرعية، ولأن طالبان كانوا يشترطون لبدء المفاوضات انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان.
ويبدو أن هناك سببا جعل زعيم حركة طالبان يتحدث بمرونة حول المفاوضات. الشروط التي سبق لحركة طالبان للدخول في مفاوضات سلام ليست بالضبط ما تريد الحكومة الأفغانية أو المجتمع الدولي، الذي أنفق مبالغ طائلة لإحلال الأمن والاستقرار في أفغانستان، أن يسمعوه في هذه المرحلة. لكن المؤشر الجيد أن الرئيس كرزاي خاطب في رسالة التهنئة بمناسبة عيد الفطر حركة طالبان وطلب من المتردين وضع أسلحتهم جانبا والانضمام إلى عملية السلام.
بسبب العطلة الرسمية، من المبكر سماع وجهات نظر السياسيين والنخبة الأفغانية حول رسالة الملا عمر ورد الرئيس كرزاي. لكن ما سمعته من بعض الأفغان العاديين يشكل ردا حادا على ممارسات الملا عمر وحركة طالبان. الأفغان يعتقدون أن طالبان لا يستطيعون أن يقدموا شيئا دون موافقة الاستخبارات الباكستانية. أحد الشبان الأفغان، واسمه لطيف، قال لي إن مباحثات السلام مع طالبان لا يمكن أن تحرز أي تقدم دون أن يكون لدى باكستان رغبة بذلك، وإذا حاول أي أفغاني من طالبان أن يدخل في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية دون موافقة الاستخبارات الباكستانية فإنه غالبا ما يقتل أو يختفي أو يتعرض للاعتقال لدى الاستخبارات الباكستانية كما حدث مع الملا بردار.
حتى الملا عمر، في رأي الشعب الأفغاني، هو مجرد رجل واحد وليس له نفوذ كبير بين طالبان. منذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان في 2001، اختفى الملا عمر عن الأنظار ولم يعد أحد يسمع أخباره بشكل مباشر في وسائل الإعلام. ولذلك يعتقد الشعب الأفغاني أن "باكستان تريد الدخول في مفاوضات سلام. الملا عمر مجرد اسم،" حسب ما قال حيدر، أحد سكان كابول.
من الصعب في هذه المرحلة معرفة مقاصد باكستان أو طالبان من عرض مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية الحالية. قبل يومين من عيد الفطر، تم اعتقال 16 عنصر من طالبان كانوا ينوون القيام بتفجيرات انتحارية في كابول ومدن أخرى، فلماذا يظهر اهتمام طالبان بمفاوضات السلام في نفس الوقت الذي ترسل فيه جيشا من الانتحاريين؟ مؤتمر (بون2) هو ثاني أكبر مؤتمر يعقد حول أفغانستان بعد أن عقد الأول في 2001 بمشاركة كثير من الدول، وهو في طريقه للانعقاد في بون في شهر ديسمبر القادم، ولكن لم تتم دعوة حركة طالبان إليه بعد. المجتمع الدولي بحاجة لإعادة تشكيل سياساته حول أفغانستان، خاصة في الفترة التي ستلي انسحاب معظم القوات الأمريكية من هذا البلد خلال عامين. ماذا سيحدث لأفغانستان بعد 3 سنوات من الآن عندما يتولى الأفغان أنفسهم المسؤوليات الأمنية في بلادهم، خاصة إذا بقي الوضع الأمني كما هو عليه حاليا أو ازداد سوءا؟
ما أفضل حل لأفغانستان لتخرج من هذا الطريق المسدود؟ المفاوضات مع باكستان أم مع ممثليهم في حركة طالبان؟