معايداتنا كان قاسم نقاشاتها المشترك هل كان دخول العيد بالحساب أو بالرؤية؟ مقالي لن يدخل في موضوع عيدنا هذا العام، لأني من أشد الناس قناعةً بالحساب الفلكي، وبالتالي من أشدهم اقتناعاً بصحة دخول الشهر بيوم الثلاثاء الماضي، بالرغم من أني كنت أحد الذين حاولوا رصد الهلال على شاطئ كورنيش البحر بصحبة مجموعة من المهتمين بعلم الفلك. النُّفرة التي قد يبديها البعض للحساب الفلكي، ورفضهم أن يكون وسيلة لإثبات الأهلة أمرٌ محير، إذ كيف نقبل به في مواقيت صلواتنا، ونرفضه في صومنا وعيدنا وحجنا؟! ليس منا من يضبط صلاة الصبح بالفجر الصادق، والظهر بالزوال، والعصر بالظل، والمغرب والعشاء بالشفق، فكلنا ننظر إلى ساعاتنا، وجداول المواقيت، وننتظر دقات الساعات المنبهة. ولا أدري لماذا نصر على رفض الحساب كوسيلة علمية عملية قاطعة في إثبات الأهلة في دخول الشهور وخروجها؟ فإذا كنا نهاجم من ينكر ما هو معلومٌ من الدين، فكذلك من الواجب التفاهم مع من ينكر ما هو معلومٌ من العلم.

أسلافنا من الفلكيين لهم منا كامل التقدير على ما وصلوا إليه من نتائج ناسبت الإمكانات المتاحة آنذاك، والتي كان من آثارها اختلاف فقهاء زمنهم بين من أجاز اعتماد الحساب في النفي فقط، فإذا جاء من يشهد بالرؤية، ودلت الحسابات على أن الرؤية مستحيلة أو غير ممكنة؛ فإن شهادته ترد. كالشيخ تقي الدين السبكي الذي قال: "الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظني لا يعارض القطعي، فضلاً عن أن يُقَدم عليه"، ووافقه على رأيه جملة من العلماء كالشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وغيرهم، وبين من أجاز اعتماده في النفي والإثبات؛ بمعنى إذا دلت الحسابات على وجود القمر بعد الغروب بوضع يسمح برؤيته كهلال؛ فإنه يؤخذ بالحسابات، ويكون اليوم التالي أول أيام الشهر دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة. ومن أشهر القائلين بهذا التابعي مُطرِّف بن عبدالله وغيره، وسار على نهجه الشيخان أحمد شاكر، ومصطفى الزرقا وغيرهما، وبين من لم يجزه مطلقاً. اليوم الأمر مختلف.. الحسابات الفلكية تطورت، وأصبحت يقيناً، لا يعتريه الخطأ البشري، وهذا مشاهد في كل ما حولنا. ومرد كل ذلك إليه سبحانه الذي وهب هذه المعرفة لخلقه. فالمعيار هو إذا ما ثبت وجود الهلال في الأفق بعد الغروب فذلك أول أيام الشهر القمري (الهجري)، ويبقى التأكد بعد ذلك بأي وسيلة متاحة. الرؤية كانت وسيلة متاحة وهي ظنية، والحساب أصبح متاحاً وهو قطعي، وقد أشار إليهما جميعاً صلى الله عليه وسلم.

فكرة:

في مقال سابق بعنوان (مكة أم المراصد)؛ أكدت على إنشاء مرصد مكي، وإطلاق قمر صناعي يستطلع الأهلة. ولا أجد حالياً أي غضاضة في التنازل عنهما إلى اقتراح جديد وهو أن يضاف إلى لجنة تحري الأهلة بالمحكمة العليا من يشد عضدهم من أعضاء المركز الوطني للفلك في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وذلك لسؤال الرائيين بعض الأسئلة التي تؤكد أنهم رأوا الهلال أو غيره! كوقت ومكان الرؤية، واتجاه فتحة الهلال، وارتفاعه عن الأفق، وكيف تحرك أثناء مراقبته وهكذا.. إنها أسئلة سهلة ولكنها حتماً ستصفي معظم الشهادات المغلوطة برؤية الهلال. وما كتاب أحوال الأهلة الذي تصدره المدينة سنوياً إلا خير معين بعد الله على إثبات أن الحسابات الفلكية قد بلغت في عصرنا درجة عالية من الدقة، وأنه لا وجود ـ بإذن الله ـ لأي فرق بينها وبين واقع الأجرام السماوية.