ستون عاماً على وفاته ، وما يزال الشاعر فهد العسكر حاضراً كأنفاس الغابات ، صارخاً كرجة المجاديف في خاصرة الماء ، مأساته تكمن في فقدانه التصالح مع دواخله المكتظة بالشك المدمر ، والتمرد والرفض ، والأزمات النفسية ، ومناكفة الواقع ، والشعور بالانشطار ، والاغتراب والوجع ، والمرارة يقول صديقه الأديب عبدالله زكريا الأنصاري " ولد شاعراً بائساً ، وعاش شاعراً بائساً ، ومات شاعراً بائساً ، عشق الحرية وتغنى بها ، رماه بعض الناس بالكفر والإلحاد ولم يكن كافراً ولا ملحداً ، عاش بعيداً في أفكاره عن مجتمعه وبيئته ، فَقَد بصره ، وعاش آخر حياته في غرفة مظلمة في سوق " واجف " أصيب بمرض عضال ، وأدخل المستشفى الأميري ومات فيه. لم يمش في جنازته أحد، لا من أهله ، ولا من أقاربه وذويه ، ولا من أصحابه ، وبعد وفاته أحرق أهله شعره ، والتهمت النيران عصارة فكره ، وذوب فؤاده ، لكن النسيان لم يستطع أن يجرر عليه ذيوله " هذا ما قاله الأنصاري ، ولكن الشاعر لم تتشبع الأذن العربية بشيء من قصائده وتتعرف عليه ، إلا من خلال صوت شجي تغنى بواحدة من روائعه ، وهي قصيدة " شهيق وزفير " ومطلعها : كفي الملام وعلليني فالشك أودى باليقين. وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري من شجوني ؟ وأمضني الداء العياء فمن مغيثي ؟ من معيني ؟ إلى آخر قصيدته التي اقتربت من السبعين بيتاً. وحول نسب فهد العسكر ، يقول الأنصاري " أول من هاجر من أسرته إلى الكويت هو جده محمد ، من أهل الرياض ، وكان تاجر غنم وإبل ، فمعظم سكان الكويت أصلهم من الجزيرة العربية " ويذكر أن العسكر نظم قصيدة يمتدح بها الملك عبدالعزيز، وأخذها المطرب " عبداللطيف الكويتي " ولحنها أو لحنت له ، وغناها وشاعت بين الناس وصادف أن سمعها الملك عبدالعزيز ، وهي تشيد بشجاعته وجرأته ، وتعدد محاسنه ، وسيطرته المطلقة على مملكته ، وبسطه الأمن واستتبابه فأعجب بها أيما إعجاب ، ودعاه لزيارته في الرياض ، لبى فهد دعوة الملك إلى آخر الرواية التي أوردها الأنصاري في كتابه " فهد العسكر حياته وشعره " يقول أحمد السيد عمر : " لقد تجنى الذين قالوا : إن فهد كافر ملحد ، وقد سألته عن ذلك فقال: أقسم بالله العظيم إنني لا أنكر وجود الله فالأدلة عليه لا حصر لها ، ويكفي أن يتفكر الإنسان في هذا الكون ، وإيماني بمحمد صلى الله عليه وسلم لا حد له، كأعظم رجل في الدنيا ، أتى للبشر بدستور إلهي " القرآن الكريم " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، دائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .