هل يعقل أن معظم أفراد المجتمع يعانون من العين والسحر والحسد والتهنئة إلى غير ذلك من الأمراض العضوية التي ترتبط بهذه الآفات النفسية؟!
لا ننكر إطلاقا وجود العين والحسد والسحر، ولكن، أن يكون نصف المجتمع أو غالبيته العظمى مصابين بها، فهذا أمر جدير بالشك والبحث والتأمل.
في الآونة الأخيرة انتشرت قنوات الرقى والنفث بشكل مخيف، وازداد عدد المتابعين لها أيضا، وبالأخص من السعوديين.
أظن أن هذه المشكلة تنحصر في ثقافتنا، فغالبية الناس في مجتمعنا يعانون من ضغوطات نفسية واجتماعية مختلفة، هذه الضغوطات نلحظ آثارها في مشكلاتنا التي تعاني منها أقسام الشرطة، ودوائر القضاء، وأماكن العمل والدراسة، بالإضافة إلى الضغوطات المادية التي تثقل كاهل الكثير من أفراد المجتمع، كالقروض والديون، وانتشار ثقافة الاستهلاك، ومشاكل أخرى تتعلق بالطلاق والعنف الأسري، وعوائق الزواج، أو فشله، وتفشي البطالة، وانتشار بعض الأمراض والعوارض النفسية والصحية الناتجة عن ذلك كله، كالإحباط والاكتئاب والقلق والتوتر المزمن، والضغط والسكري..
المجتمع السعودي تحديدا اعتاد على معالجة بعض أعراضه النفسية والاجتماعية عن طريق ما يسمى بـ"الرقية الشرعية"، وتطور الأمر حتى أصبح الكثير من السعوديين عاجزين عن البحث في أسباب هذه المشاكل، والتي هي في معظمها مشاكل "ثقافية" و"نفسية" و"اجتماعية" لا علاقة لها بالجن، وأخذوا بدلا من ذلك يتسارعون إلى الهروب منها، ويكتفون بالرقية الشرعية أو الطب الشعبي.
قنوات الرقية استغلت هذه الثقافة الشعبية وأحسنت استغلالها، وبدأت تسوق لنفسها عن طرق الرقى والتعاويذ، وتشخيص أمراض الجمهور، ووصف العلاج لهذه الأمراض، والرسائل النصية والمكالمات الهاتفية في هذه القنوات تشير إلى ذلك، فإخفاق الطالب في دراسته يعود لعين أصابته، وفشل شخص آخر في مشروع تجاري سببه الحسد، وقس على ذلك..
من حق كل قناة أو مؤسسة إعلامية أن تسعى إلى النجاح والشهرة وتحقيق الأرباح، ولكن ليس على حساب مشاعر البسطاء، واستغلال عاطفتهم الدينية، وإرجاع السبب في كل إخفاقاتهم ومشاكلهم وأمراضهم إلى عين عائن أو شر حاسد.
الغريب أن بعض من يعمل في هذه القنوات ويسوق لها هم من حاملي شهادة الدكتوراه!