عندما تكون هناك سماء رمادية، أنا لا أمانع في سماء رمادية، لكنهم يجعلونها زرقاء بسبب وجود سوني. هذه أسطر من رواية "سوني بوي" للكاتبة الصحفية الهولندية أنيتا فان دير ذيل، يرددها بطل الرواية السورينامي الأسود، وهو يواجه مجتمعا هولنديا بأكمله بقصة حب محرمة في زمنه، ليس لأنها بين كاثوليكي وسيدة بروتستانتية كما كان معتادا، بل لأنها بينه كمهاجر أسود من جزر سورينام، وبين سيدة بيضاء كانت متزوجة وأما لأطفال، إنه يصغرها بعدة أعوام، لكن جذبه إليها مأساة إنسانية كانت تعيشها مع زوجها ومحيط أسرتها، فعصف حبها بقلبه، ووقف يواجه المجتمع الهولندي كله بهذا الحب، ليقول إن القلب يحمل لونا واحدا لا أبيض ولا أسود، وإن النبض لا يختلف باختلاف لون الوجه، قال ذلك في زمن كان محفوفا بخطر الحرب العالمية، ومفككا من الداخل بالصراعات العنصرية، فأحداث الرواية تقع في عام 1911، وتمتد على مدى 60 عاما، لكنها تأتي في أسلوب، لا يشعرك بقفزات الزمن، لأن الأحداث تنمو مع نمو أعمار شخوص الرواية في حبكة طبيعية.
فالفتاة الحسناء ريكا فان ديرلاند من الروم الكاثوليك تقع في حب الشاب الكاثوليكي ويليام هاخنار، ويتزوجان عام 1911 ضد إرادة أسرتيهما وضد رغبة المجتمع، فتكون الفضيحة التي لم يحتمل معها الزوجان البقاء رغم مرور السنوات وإنجابهما 4 أطفال، إلا أن الفضيحة تطاردهما، ليسافرا إلى مدينة هولندية أخرى هي دين بوص، ثم ينتقل الزوج للعمل بقرية أخرى، وهنا تبدأ المشكلات بين الزوجين الحبيبين، فريتا ترفض حياة القرية ومنجذبة للمدينة، وتقرر الانفصال عنه بعد 15 عاما من الزواج، وتجمع حاجياتها وترحل إلى المدينة الهولندية الكبيرة لاهاي، وتعيش مع أطفالها حياة صعبة من الفقر، لكنها ترفض أيضا العودة لزوجها بعد أن مات حبها بسبب المشكلات، وتلتقي بالشاب السورينامي الأسود المهاجر "سوني" الذي جاء لهولندا بحثا عن الثراء، وترتبط معه بقصة حب عنيفة رغم فارق السن فهي تكبره بعشرين عاما، ورغم فارق اللون والثقافة، وتواجه عنصرية وكراهية لم تعرفها من قبل ممن حولها أكبر من تلك التي واجهتها عندما تزوجت كاثوليكيا، وتثمر قصة حبهما طفلا أسمر اللون، وهو ما يرفضه أطفالها الأربعة البيض، فيهرب الطفلان الكبيران منها ويعودان إلى والدهما بالقرية البعيدة، ليقصا ما حدث، فتشتعل الغيرة بقلب ويليام الذي لا يزال يعتبر ريكا ملكا له.
ويحاول طليقها الانتقام منها بحرمانها من طفليها للأبد، فتهرب بطفليها الآخرين والطفل الجديد إلى مكان آخر بعيدا عن طليقها، وتشتعل عندئذ الحرب العالمية الثانية، لتمتد لها ولأطفالها وزوجها يد المستعمر النازي بالإيذاء، وتدخل ريكا مرحلة جديدة من حياتها، مرحلة البطولة ومعارضة الألمان، ويتم ترحيلها بقطار إلى أحد المعسكرات الألمانية، وهكذا يسير سياق القصة لتجمع لنا سطورها أكثر من دراما إنسانية، الحب المحرم والعلاقات الممنوعة، والعنصرية، وزمن الحرب، كل شيء في سطور الرواية الكائنة في 235 صفحة.
المخرجة الهولندية ماري بيترز التقطت سطور الرواية، وقررت تسليط كاميرا السينما على أحداثها لتخرج فيلما سينمائيا يحمل ذات الاسم، وهو "سوني بوي" وسيتم الانتهاء من تصوير الفيلم في مارس المقبل ليعرض لأول مرة في "بريميرا" السينما الهولندية بأمستردام، وتتوقع المخرجة للفيلم نجاحا جماهيريا كبيرا، فقد بيعت من الرواية 320 ألف نسخة حتى الآن.