من حسنات الثورات العربية، أنّها عرّفتنا بجغرافية تلك البلدان، وتاريخها السياسي، وثقافات أهلِها، وفنونهم، بل ولهجاتهم أحياناً، فاستدركنا الفائت، وأضفنا إلينا إضافاتٍ لم تكن عقولنا لتحصل عليها لولا هذه الثورات؛ حتّى أصبحنا ـ مثلاً ـ نحفظ الخريطة الليبية، ونعرف تركيبتها السكانية، والمسافات بين مدنها، وأسماء القبائل التي تقطنها، وأهم مشايخها ومفكريها وإعلامييها وفنانيها ومطبليها ووو....

هنا مثال: عندما يُسأل عربيٌّ عن أبرز نجوم الكوميديا في العالم العربي، فإنه سيجيب: عادل إمام في مصر، ودريد لحّام في سورية، وربما أضاف المجيب ـ إن كان سعوديّاً متعاطفاً ـ الثنائي القصبي والسدحان، وربّما أضاف كلُّ مجيبٍ اسماً من بلده، إن هو انتمى أو تعاطف، لكن أحداً لن يقول: إن من أبرز نجوم الكوميديا العربية، صالح الأبيض من ليبيا.

نعم؛ يستطيع المنصف المتجرد، أن يعدّ "صالح الأبيض"، ضمن أبرز نجوم الكوميديا في العالم العربي، لأنّه فنّانٌ حقيقي، لا يستدر الابتسامة بـ "التهريج"، ولا يقلّد إلا متقناً، ولا يصنع المشهد إلا لهدف، ولا يجعل من الكوميديا فنّاً سطحيّاً يخلط بين "كوميديا الموقف"، والارتجال السمج.

لم يبرز صالح الأبيض بروزاً حقيقيّاً، إلا بعد تحرير مدينة بنغازي، من قبضة نظام القذافي، على الرغم من أنه ينتمي إلى أسرةٍ فنية، وله أعمال "مسيّجةٌ" سابقة، كانت تُبث عبر الفضائية الليبية، وله مشاركات ممتازة في عدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات، لكنها لم تجعل الكثيرين يعرفونه، لأنه ـ ببساطة ـ ليس في مصر، أو الشام، أو دبي التي تحاول اللحاق بركبٍ متقدّم.

"أبيض شو" هو العمل الذي ظهر به صالح الأبيض، على قناة ليبيا أولا، فأظهره لنا، وعرّفنا به فنانا قادراً على تقديم النكتة السياسية التي يتنازعها الجد والهزل، لتكون تعبيراً عن الرفض السياسي، وتنفيساً عن عقود الكبْت الليبية الأربعة، ومنها عرفنا كيف لا يتكئ الفنان على النكتة وحدها بوصفها نكتة يُمكن أن تُروى فتصل، وإنما يعمد إلى التمثيل الحقيقي، ليصير الأداء أكثر إبهاراً من النكتة نفسها.

لن أطيل الوصف، ولن أحكم بالنيابة، بل سأدع الحكم لمتابعي هذا المقطع، والمقاطع المشابهة:

http://www.youtube.com/watch?v=LvcgHoc1xxQ&feature=related