لم يكن، ستيف جوبز، مجرد ثورة في حياة شركة أبل للبرمجيات، بل هو ثورة في حياة الإنسانية برمتها وشاهد على آخر أدوار الفرد في حياة المجموع. ستنظر له الأجيال بعد قرن من الزمن، ذات نظرتنا اليوم إلى توماس أديسون أو جراهام بيل. الأول أضاء ليالي البشرية الحالكة، والثاني، أحال صوت الإنسان إلى عابر للمسافات عبر التلفون. وكلما حملت – الآيباد – ليهرب بي إلى كل ما أردت من دهاليز هذه الأرض الواسعة تذكرت مصباح علاء الدين السحري في الأساطير. لم يشتر ستيف جوبز لكل هذه الملايين مجرد حمل هذه الدنيا على الكف في – الآيباد – بل اشترى للملايين قتل ساعات الملل والكآبة وتركهم أينما ارتحلوا في وصال حميمي فكأن الدنيا بأسرها بفضل ستيف جوبز مجرد غرفة واسعة. لم تعد الدنيا بعد ستيف جوبز حتى مجرد قرية صغيرة ويكفي أن أمي في مهجعها القروي تشاهد حفيدها وتتحدث إليه في مهجره الكندي بفضل بعض برامجه المدهشة.
السؤال الذي تطرحه ظاهرة ستيف جوبز: كم هم الأفراد الذين عاشوا ليجعلوا من حياة البشرية أكثر سهولة؟ هل فكرتم مثلا، في من كان وراء الكشف المذهل لعقار – الباراسايتمول – الذي جعل من البندول معجزة صغرى لدفن الألم؟ هل فكرتم كم سيكون الصداع وحده قاتلاً لملايين ساعات العمل في اليوم الواحد؟ هل نظر أحدنا، مثلاً، في معجزة – التخدير – حين يدخل الأطباء إلى قلوب ملايين المرضى في اليوم الواحد وهم نائمون على الأسرة ثم يفيقون بعدها ليتلقوا من الأهل جمل الحمدلله على السلامة؟ هل تعلم مثلاً أن صاحب براءة اختراع النظارة الطبية قضى 17 عاما بين قطع الزجاج كي يخرج بهذا الكشف الذي يبدو بدهيا تلقائيا وهو الذي أنقذ نعمة الله في البصر لثلث سكان هذه المعمورة؟ هل فكرت مثلا، أن تكون إضافة لنفسك فقط ناهيك عن الحلم أن تكون إضافة لحياة الملايين من بني الإنسانية؟