عندما أدرجت الولايات المتحدة الأميركية حركة الشباب في الصومال في قائمة المنظمات الإرهابية، أدرجت، بقصد أو عن غير قصد، مئات الآلاف من أطفال الصومال وشيوخه ونسائه في قائمة المحكوم عليهم بالموت جوعا وعطشا. ومنذ ذلك الحين ومشهد الجوع والموت يتكرر في الصومال، يوما بعد يوم، ونحن، عرب ومسلمون، على مقاعد المتفرجين.
ثلاثون ألف طفل قضوا نحبهم جوعا في الصومال.. ما يقرب من 2000 نازح إلى الدول المجاورة يوميا. 30% من الأطفال على قيد الحياة يتهددهم الموت جوعا في الصومال، وسيلقى 20% من هؤلاء الأطفال حتفهم في أقل من ثلاثة أشهر، إذا بقي الحال على ما هو عليه. وآخرون لا تجد لهم عائلاتهم كفنا بعد الموت، ثم يوارى جسمهم عاريا في التراب. ومن كل 10000صومالي يموت اثنان يوميا. وصور لأشباح وهياكل عظمية تعرضها وسائل الإعلام في نشرات الليل وفي النهار، ورائحة الموت تكاد تنبعث من شاشات التلفزيون.
لا قلب لمن لم يشعر منا بالمسؤولية لو مات طفل واحد في الصومال، ولم يبذل هو جهدا في إنقاذه. إنها مسؤولية الكل والفرد، نحن مسؤولون، أمام الله، وأمام ضمائرنا عن موت هؤلاء، أطفالا ونساء، شبابا وشيوخا مرضى أنهكهم الجوع. لابد أن تتسع مسؤولية الفرد من حلقة القرابة حتى تشمل كل من تستطيع مد يد العون إليه أين ما كان.
أين قوافل الإغاثة تخرج من عواصم الدول العربية والإسلامية، محملة بالمؤن والعلاج، تطعم الجائع وتداوي المريض من إخواننا الصوماليين. أين الناس وأين الشفقة! لو أن كل مسلم تبرع بعشر طعامه مهما بلغ من قلة أو زيادة، لما رأينا فما جائعا هناك.. تتشقق شفتاه، وتبيض من الجفاف. أين القلب الرحيم؟
عندما أمر خادم الحرمين الشريفين بتنفيذ الحملة الوطنية لجمع التبرعات، انتظرت خروج العلماء، ليس فقط لحث الناس على دفع الزكاة ومساعدة هؤلاء المحتاجين، بل يتباحثون الفتاوى التي توجب علينا نقل زكاة المال وزكاة الفطر أو جزء منها إلى الصومال، فقد تجاوزنا مرحلة "هل تجزئ؟"
خيل لي أن المؤسسات الخيرية المقننة، وهي تستجيب لنداء خادم الحرمين، تنتشر في كل مكان وتشرع في جمع الأموال وتسيير قوافل الإغاثة. ظننت أن الدعاة وأئمة المساجد سيخرجون لحث الناس على فعل الخير في الشهر الكريم، ودفعهم لنجدة إخوانهم، وظننتهم سيخصصون خطب الجمع في الشهر الكريم، وخطبة العيد، للحديث عما يجري هناك.
إنها مسؤولية الجميع، فلو أن كل مسلم أخرج عشر زكاة ماله وعشر زكاة فطره، في الشهر الكريم، إلى هؤلاء، لأغنيناهم عن الهجرة والنزوح إلى دول الجوار، وكفيناهم الجوع والمرض وذل السؤال. لو أن علماءنا قالوا بوجوب ذلك على كل من صام رمضان وقام، لأغرقنا الصومال بالمواد الغذائية والطبية. ولو أن كل طبيب تبرع بأسبوع من عمره لنجدتهم، لأنقذنا الآلاف من براثن المرض، وآفات الموت.
ضجت الأرض، لقد ضاق على أولئك الخناق عندما سن الغرب وفرض على العالم التشديد في مراقبة أموال الصدقة والتبرعات. لماذا لا تأخذ الجامعة العربية بزمام الأمور العربية! لا ينبغي النظر إلى كل قضايانا ومعالجتها من نافذة سد الذرائع، فروح المسلم اليوم بلغت هناك الحلقوم. ليس لهؤلاء سوى إخوانهم من العرب والمسلمين يمدون لهم يد العون، فأين هي؟
ولن نسأم نردد السؤال؛ أين جامعتنا العربية من كل هذا؟ انظر كيف تتعاطى دول الاتحاد الأوروبي مع المفلسين من أعضاء الاتحاد! مئات المليارات تتدفق من الدول الغنية لإنقاذ الاقتصادات المتعثرة في دول الاتحاد. لن يعذر التاريخ منا أحدا، وسيسطر خذلان المتخاذلين لضحايا الجوع في الصومال، بدم أسود جف من العطش هناك.
وهذا حلف الناتو، لا يجرؤ أحد على العبث بشبر من أرضه. لماذا لا تكون لنا مثلهم قوة تردع بها الجامعة أمراء الحرب، وتضرب على أيديهم في الصومال، وتحمي إخواننا، وتؤمن وصول الرغيف والدواء إلى المحتاج منهم. كل من يعبث بأمن بلاده ظالم، فأين الجامعة العربية من نصرة المظلوم على الأرض العربية في الصومال، وعلى كل شبر من أرضنا العربية، فهذا وكثير غيره، مما يدور حولنا اليوم شأن عربي وحسب؟