لم تعد الكتابة عن العيد أو للعيد بالنسبة لنا نحن معشر الكتاب تُشكل مصدراً للسعادة والمتعة والبهجة، ولا تُمثل تحريضاً مقنعاً للكتابة والخيال والإبداع، فالعيد وهو هبة السعادة وهدية الفرح فقد الكثير من ألقه وبريقه ووهجه. يمر العيد تلو العيد دون أن تلبس الدنيا ثوب الفرح الجديد، ودون أن ترقص البهجة في ثنايا الكون، بل على العكس تماماً، يُخيم الحزن والأسى، وتُهيمن الرتابة والملل، فكما يبدو فإن العصر الذي نعيشه لا مكان فيه للأعياد أو للأوقات السعيدة. حتى الأطفال، وهم الأكثر انتظاراً وعشقاً للعيد، لم يعد يعني لهم سوى حفنة من الريالات أو بضع دقائق من اللهو واللعب في أحد المراكز الترفيهية.
هذا هو المشهد العام تقريباً في كل عيد، ولكن يبدو أن العيد في هذا العام مختلف تماماً عن كل الأعياد الماضية، وذلك لسبب بسيط جداً، لكنه في نفس الوقت يعني الشيء الكثير، فالعيد حينما يُمزج بطعم الحرية والكرامة يُصبح عيداً حقيقياً يستحق الفرح والبهجة والانتشاء، بل ويستحق الاحتفال. الثورات العربية المتلاحقة منذ عام تقريباً، والتي أعادت لهذه الأمة الخالدة بعضاً من تاريخها المجيد، حينما سادت الدنيا بحضارتها الإسلامية الرائعة، وبعلومها ومعارفها وإنجازاتها الكبيرة، وكذلك بسلوكها وأخلاقياتها الرفيعة، هذه الأمة التي ابتعدت وتوارت كثيراً عن منصات التقدم والتطور والازدهار، ها هي تعود الآن من جديد لذلك الزمن الجميل. فالثورات العربية الجديدة، والتي بدأت بانتصار ثورة الياسمين التي صنعها الشعب التونسي الرائع بعد أكثر من عقدين من الحكم الدكتاتوري، ثم تلتها الثورة المصرية الفريدة، مروراً بالثورة السلمية في اليمن والتي يُصر شبابها على إنهاء عهد السلطة الواحدة والحزب الواحد، والأمر كذلك في سورية، وأخيراً وليس آخراً، استطاع الثوار الأحرار في ليبيا تحرير هذا البلد العربي المرتهن من طاغية معتوه حكم البلاد والعباد بالحديد والنار لأكثر من أربعة عقود من الزمن.
حينما يلبس المواطن العربي ثوباً جديداً مطرزاً بمعاني الحرية والكرامة والعزة يشعر بمعنى الفرح والسعادة والبهجة، يشعر بالعيد الحقيقي بكل تفاصيله الجميلة، ومظاهره الرائعة، فالعيد بلا حرية أو كرامة أو عزة لا قيمة ولا معنى له، وهذا ما كان يعيشه المواطن العربي في بلدان تدعي الديموقراطية لعقود طويلة، عيدٌ لا يشي بالفرح، ولا يستدعي البهجة، ذلك العيد البائس لا وجود له الآن في هذا "الربيع العربي" الرائع. ففي هذا العام فقط، اكتشفت الأمة العربية، سر قوتها الحقيقية، هذا السر الكامن في حيوية وعنفوان شبابها، وكل تلك الصور والقصص والمواقف والتضحيات التي سطّرها الشباب العربي تؤكد من جديد بأن هذه الأمة العظيمة لا تموت. قد يعتريها الضعف، وتُصاب بالمرض، ولكنها أبداً لا تموت، ورغم كل تلك السنين الطويلة في غياهب النسيان والإهمال، ها هي تعود الآن بفضل إرادة شبابها، وحكمة المخلصين من نخبها، فالثورات العربية هنا وهناك تُعلن للعالم، كل العالم بأن الأمة العربية تنهض من جديد.
أما هذا البيت الحزين الذي كنا نجتره في كل عيد:
عيدٌ بأية حالٍٍِ عُدت يا عيدُ بما مضى أم بأمر فيك تجديدُ
فنحن الآن نقرؤه بشكل مختلف جداً. فالواقع العربي الجديد بربيعه المزهر سيُغير كل شيء في حياتنا، وفي تعاطينا مع الأشياء، وفي تعاملنا مع الآخر مهما كان هذا الآخر، وفي كل تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة.
ما أجمل العيد حينما يأتي بكل تفاصيله الجميلة، كالثوب الأبيض الجديد، وألعاب الأطفال البريئة، والعبارات المفعمة بالأماني والأمل، وتبادل التهاني والحلوى، وزيارات الأهل والأصدقاء، ولكن الأجمل من كل ذلك، أن يكون ممزوجاً بطعم الحرية والكرامة.