يُحمد لإدارة المرور إيجابيات "ساهر" التي حدت من السرعة وبالتالي من عواقبها، وكانت النتيجة انخفاض نسبة الحوادث والإصابات كما تقول دراسات المرور نفسه. هذا شيء يجب أن يحسب للمرور، ولعل المرور من خلال تجربة "ساهر" وصل إلى قناعة بأن التوعية والتوجيه وأسابيع المرور لم تفلح في جعل الناس يلتزمون بالسرعات المحددة، وبالتالي في انخفاض نسبة الحوادث والإصابات إلا بعد اتخاذ خطوات أكثر حزماً عن طريق "ساهر" بل وتكريس تطبيقها، وإنفاذ عقوباتها. بل وإصرار المرور على ذلك بالرغم من الهجمات التي تلقاها إبان تطبيق نظام "ساهر" لقناعته التامة بأن ذلك هو الحل الذي أدى إلى نتائج إيجابية كشفت عن فوائد كبيرة للمجتمع نفسه، بالحفاظ على الأرواح والمركبات.
هذا موضوع نظن أنه قد تجاوز النقاش، ونعرف ذلك، لكننا نذكره لنشكره من باب ذكر الإيجابيات وإرجاع المفاخر لأهلها، لكن الأمر الآخر الذي لاتزال المعاناة منه كبيرة يتمثل في جوانب مرورية أخرى لم نلمس جهوداً تذكر فيها، مع أنها لا تقل أهمية عن أمر السرعة وأخطارها التي تعامل معها "ساهر" بنجاح.
وهذه الأمور المنسية أو المتجاهلة وكلها تؤدي لنفس النتيجة هي ما يجري داخل طرق المدن وتقاطعاتها. أول خلل كبير فيها هو خلو تقاطعات تلك الطرق من لوحات الوقوف. في مدارس المرور وفي أدبياته لا يتجاوز الاختبار الذي لا يعرف أنه يجب أن يقف عند لوحة "قف"عند تقاطع الطرق. لكننا نسأل المرور: أين هي لوحات "قف" عند تقاطعات الطرق؟! إن خلو تقاطعات الطرق من هذه اللوحات يؤدي إلى نتائج سلبيه كبيرة، منها أولاً: سهولة ارتكاب حوادث قد تكون كارثيه على الأرواح والممتلكات. فالقادمون إلى التقاطعات جميعهم لا يقفون، وتعمل الصدف واجتهادات قائدي المركبات على تلافيها. والأمر متروك للقدر والصدفة للعب الدور في تجنب الحوادث. وهذا ليس مقبولاً في قاموس المرور وأنظمته، وهم أول من يجب أن يعرف ذلك. وهم يعرفونه بلا شك.
ثانياً: إذا أقيمت دعاوى على المرور نتيجة حدوث حوادث على تقاطعات لا توجد بها لوحات "قف" فمن المؤكد أن يخسر المرور القضية، وقد يتكبد مبالغ طائلة جراء هذا الخلل الحاصل في تقاطعات طرق مدننا.
ثالثاً: عدم وجود لوحات "قف" على تقاطعات الطرق يمنع انتشار ثقافة الوقوف عند التقاطعات، فكيف يمكن نشر الوعي بين قائدي المركبات بأهمية الوقوف عند التقاطعات دون وجود تلك اللوحات؟ كيف تتم توعية قائدي المركبات بالوقوف عند التقاطعات عندما يرون لوحة "قف" دون وجودها؟ وكيف نعلمه في مدرسة القيادة أن يقف عندما يرى لوحة "قف" دون وجودها؟ وكيف نسأله في الاختبار إذا رأيت لوحة "قف" في تقاطع الطرق فماذا تعني، وتلك اللوحة غير موجودة؟!
هذه بعض سلبيات غياب لوحات الإرشادات بالوقوف عند تقاطع الطرق في المدن، لكن يجب أن نعلم أن مجرد وضعها على التقاطعات لا يكفي، فلا بد من تكريس نظام الالتزام بها، واتخاذ خطوات فاعلة لمعرفة من يخالف الوقوف عندها وإيقاع الجزاء اللازم به، تماماً مثل ساهر لا محاباة ولا مجاملة. ويمكن أن يكون في نشر دراجات المرور النارية داخل الشوارع حل لمراقبة مخالفي الوقوف عند لوحات "قف". ويعرف الإخوة في المرور أن الأمر يحتاج إلى تكريس هذا النظام لفترة محددة حتى تنتشر ثقافة الوقوف. إن المرء ليصاب بالذهول عندما يرى في بعض مدن العالم كيف تصطف المركبات في أوقات الذروة عند تقاطعات كبيرة لا توجد بها إشارة مرور، بل لوحات وقوف يصاب بالذهول من انسياب الحركة دون وجود رجل مرور واحد. فقط قائدو المركبات يعرف كل منهم دوره في اجتياز التقاطع في انسيابية تدعو للإعجاب والإكبار. تعرفون لماذا؟ لأمرين:
الأول: انتشار هذه الثقافة بين قائدي المركبات.
ثانياً: يتوقع كل قائد مركبة وبنسبة عالية أنه لن يتجاوز العقاب إذا خالف أنظمة تقاطع الطرق بعدم الوقوف. لا يدري من أين خرجت عليه سيارة المرور أو دراجة المرور النارية لتوقفه وتخبره بما فعل مع التحية والتقدير والكلام المعسول، لكن مع هذا كله يُسلم قسيمة المخالفة التي فيها ردع لعدم تكرار ما فعل.
أنا لا أعرف لماذا لا نأخذ خطوات ونطبق إجراءات أثبتت نجاحها. لا أريد من أحد أن يقول لي. يا أخي مجتمعنا مختلف. هذا الأمر صحيح في أمور وغير صحيح في أمور كثيرة، ومنها هذا الأمر؛ أمر وجود لوحات الوقوف وتكريس إجراءات الالتزام بها. ولهذا فإنني أتوجه إلى الإدارة العامة للمرور في الرياض وهي صاحبة الشأن والمسؤولة عنه والمتحملة لتبعاته وما قد يرفع من قضايا عليها جراء حدوث إصابات لاسمح الله كان السبب فيها عدم وجود لوحات التوقف عند تقاطعات الطرق، وعدم وجود نظام وإجراءات لتكريسه ومعاقبة مخالفيه. إنني أتوجه إليها بهذه الأسئلة البريئة والبسيطة:
ما الذي يمنعكم من وضع هذه اللوحات عند التقاطعات؟ ولماذا تتأخرون وتصرون على التأخر في وضعها؟
ما الذي يمنعكم من تخصيص دوريات سيارات أو دراجات نارية لمتابعة تطبيقه؟
إن في هذه الخطوات كما تعلمون علم اليقين حفظا للأرواح ومنعا للإصابات، وتبرير كل التكاليف التي قد تصرف في وضع تلك اللوحات في كل تقاطعات شوارعنا وتكريس الالتزام بالوقوف عندها. وبمناسبة الحديث عن التكاليف فقد يتكبد المرور صرف مبالغ طائلة جراء خسارته قضايا قد تقام عليه جراء الإهمال في هذا الأمر وعدم الإسراع في تطبيقه. إنه إخفاق كبير أرجو أن يتمكن المرور من المسارعة في علاجه. وأرجو ألا يتأخر في تنفيذه حتى يأتي الوقت الذي ينفذه كردة فعل يدفع ثمنها المجتمع والمرور معا.