لدي إيمان راسخ عن قناعة ذاتية أمارسها في حياتي، أن الإنسان عقلا ووعيا وسلوكا هو من يهب الأشياء المادية التي يستخدمها قيمتَها الوجودية في حياته، فلا حياة لها من دوننا، وليس العكس صحيحا أبدا، بمعنى أنه لا حياة لنا من دونها، نتيجة نظرة سطحية تتمثل في أن الأشياء من تهبنا قيمة واحتراما عند الآخرين، نعم علينا أن نكون أكثر نظافة في ملابسنا وتنسيقا في مظهرنا، وأكثر رقيا وتأدبا في سلوكنا وحديثنا، حينها فقط ستكون الأشياء البسيطة التي نستخدمها ونرتديها مما قل ثمنه يضفي علينا إشراقة في الحياة، التي كلما كانت بسيطة وعفوية وبعيدة عن التكلف كانت أكثر فخامة وراحة وأناقة، وأظن من يعرفني ويحتك بي أو يلتقي بي صدفة يعرف تماما بساطة الأشياء التي أستخدمها في حياتي، ويندهشون تماما حين يكتشفون أنها رغم جاذبيتها هي في أكثرها بسيطة الثمن أيضا، ليس لأني غير قادرة على شراء الأغلى بل لأني أبحث عن جمال الأشياء التي أثق تماما أنه يكمن في بساطتها العفوية، ولا أشك أن ثقتي في ذاتي هي من تضفي الجمال والهيبة على الأشياء التي أستعملها.
ومؤكد أن بعضكم الآن سيقول نظرية مثالية لا تؤمن بها الثقافة الاجتماعية السائدة عندنا، التي تتكئ على الشكل والمظهر أكثر من الجوهر، فهي ثقافة شكلانية تعزز فينا أن علينا شراء الأغلى ثمنا حتى لو فاقت دخلنا الشهري، وأن علينا أن نسافر ونعيش بشكل باذخ في بيوتنا، ولو على حساب القروض والسلف بغض النظر عن جمالها، إذ يكفي أن تناسب ذوق الآخرين لأنهم هم من سيقيموننا بسبب هذه الثقافة السطحية، وهذا كله مع الأسف وأقولها بمرارة نتيجة لهذا الفهم الخاطئ، وهذا بحد ذاته أوجد أزمة أساءت لنا ولحياتنا ولجيوبنا كثيرا.
اليوم في هذا العيد أعرف تماما أن كثيرا من الأسر السعودية سيدفع فيها رب البيت ضريبة غالية جدا، ربما دينا أو سلفا أو قرضا، وكيف لا؟! وهو يخرج من مصاريف إجازة الصيف ليدخل إلى مصاريف شهر رمضان ومن ثم عيد الفطر المبارك، وبعد أسبوع مصاريف أبنائه وبناته المدرسية!! وقد يكون كثيرون أفرغوا حساباتهم البنكية مما تم "تحويشه" طوال العام خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، هذا طبعا إذا كانوا ممن يتقنون ثقافة "القرش الأبيض لليوم الأسود"، والمشكلة الحقيقية أننا دائما ما نلوم رواتبنا القليلة التي لا تكفي رغم أن بعضها تتجاوز 10 آلاف ريال! ونلوم السوق والتجار لغلاء الأسعار! ونردد الحياة صارت غالية! إلا أننا لا نلوم أنفسنا أبدا ولا قليلا! لأننا نبحث دائما عن الأغلى بغض النظر حتى عن جماله ومناسبته لنا، ونظل نلهث خلف الكماليات، وكأن السعادة باتت تتمثل في امتلاكنا لها، فقط لإحساسنا أنها تهب لنا قيمة وهيبة عند الآخرين، وهذا بحد ذاته إفلاس في الوعي وفقر في الثقافة الاستهلاكية، وهو ما يؤدي بجيوبنا لأن تكون "طفرانة" على مدار الشهر والعام.
أعتقد لكي نتجاوز هذه الأزمة في ثقافتنا الاستهلاكية، علينا أن نعيد النظر في حياتنا! أن نتغير قبل تغيير المحيطين بنا، أن نثق بذواتنا ولا نحكم على الآخرين من أشكالهم وملابسهم وما يمتلكونه، حينها سندرك أننا من نهب الأشياء الحياة، وسلوكنا وتأدبنا وحدهما يهباننا احترام الآخرين لنا، أليس كذلك؟!