وهل استطعت في رمضان أن تعثر على مثلب أو خطأ في سلوك النفس أو في أمرها بالسوء ثم تعاهدها ولو على مجرد التفكير به ناهيك عن الإقلاع عنه؟ وأنا هنا لست في موقع الواعظ فذاك له أهل الاختصاص وفوق هذا فسيكفي أن الركن الرابع هو نفسه أكبر موعظة.
أنا أتحدث عن أخطاء الفرد في هذه الحياة. عن مراجعة السلوك وعن تدبر هذه المسالك. هل يستطيع الفرد أن يتدبر مكامن الخلل في بعض الخصال التي يراها في ذاته. عن الأنا والأنانية. عن البخل أو الغلظة. عن عقوق الوالدين أو قبول الرشوة أو التساهل في إعطائها. عن الفساد أو عن المحاباة في القرار إن كنت صاحب قرار لتحجب به حقا مشروعا لفرد من أجل عيون آخر. عن الهجران والقطيعة لأخ أو أخت أو صديق أو قريب من أجل أوساخ المادة في هذه الأولى التي ستزف حتماً إلى نهايتها مثلما يزف هذا الشهر.
والحق أننا نسيء إلى قدسية هذا الشهر الكريم إذا ما نظرنا إليه على أنه مجرد فترة – بيات – لمساوئ هذه النفس ثم لا نلبث أن نعود إلى ما كنا عليه. نسيء إلى هذا الشهر الكريم إذا ما اعتقدنا أن كل أخطائنا تجاه الآخرين ستمسح من السبورة دونما أن نغير من أنفسنا في ما بعده. ماذا سيحدث لو أن كل فرد فيما بيننا عاهد نفسه في نهاية الشهر على القبض على قصة سلبية واحدة في سلوكه؟ ما الذي سيحدث لو أن نهار العيد قد أطل فمحسنا معه بضعة وعشرين مليون مسلك خطأ لهذه الملايين من أبناء الوطن. ماذا سيحدث لو أن فضيلة الصيام تجاوزت مفهومها المادي المحسوس بتغيير مواعيد النوم والأكل والشراب ولو لمجرد تغيير مواعيد الأخطاء والمثالب. باختصار هل تعتقد أنك في هذه اللحظة ستقبض على العيب الأدنى الأصغر في السلوك ثم تعاهد نفسك على تجاوزه. اطمئنوا فأنا لا أتحدث عن العيب الأعلى، فذلك أزلي مزمن.