سجالات بدأت وربما لن تنتهي في الإعلام الرياضي الإسباني منذ مساء الجمعة الماضي المتزامن مع مبعث بطولة جديدة تضاف إلى قائمة الـ256 بطولة كروية في تاريخ نادي برشلونة، بإحرازه كأس السوبر الأوروبي الرابع في مسيرته، ويتخلف بلقب واحد عن صاحب الرقم القياسي ميلان الإيطالي بخمسة ألقاب.

أقول بدأت هذه السجالات بين مناصري البطل (برشلونة) ومناصري المنافس اللدود ريال مدريد، ومرد هذه السجالات تحطيم النادي الكاتالوني الأرقام القياسية كافة المحلية للكرة الإسبانية جاعلاً نادي العاصمة يتغنى بحقبة منتصف القرن الماضي التي شهدت أكثر من 53% من مجموع بطولاته الكروية.

والسجالات بين جماهير الأندية شيء طيب لما فيه من تواصل واستزادة للمعلومات وتنمية روح التحليل والركون إلى الحقائق والأرقام لأن هذه الجزئية تحديداً سبب مباشر من أسباب معالجات التعصب الأعمى الذي لا يرتكز على شيء سوى العناد والأصوات المرتفعة والضجيج من أجل ألا يسمع كثير جلاء الحقائق والأرقام.

ومن تواصلي مع عدد من المطبوعات الإسبانية عبر الشبكة العنكبوتية، وأركز هنا على ما بعد تحقيق كأس السوبر الأوروبي بموناكو لمصحلة برشلونة، وإلى ما قبل إعداد هذا المقال, أقول إن هذه السجالات اتسمت بكثير من الإنصاف للجهود الجبارة التي قامت بها إدارات نادي برشلونة على مر تاريخه المديد، حيث أرست قواعد عمل وتعامل كانت وما تزال مدرسة بل جامعة ينهل منها من أراد حيازة الرياضة والمجتمع معا, وهذه خاصية ينفرد بها النادي الكاتالوني ساهمت في طغيان شعبيته بأرجاء العالم كافة.

حقيقة السجالات البرشلونية والمدريدية هذه الأيام أنها تتكئ على حقائق التاريخ أكثر منها حقائق المدرجات, وتحمل سمة التحليلات العميقة لواقع كيانين ومنشأتين رياضيتين شهيرتين على مستوى القارة الأوروبية والعالم.

أنصار برشلونة يركزون (ومن خلال تفاعلات صحيفة ماركا الإسبانية تحديداً) على حقبة تاريخية سوداء في تاريخ إسبانيا الحديث كما أسماها الملك الحالي خوان كارلوس الذي لم يسلم من طغيان وديكتاتورية المجرم الجنرال فرانكو الذي حول البلاد إلى حروب أهلية من أجل أن يبقى وحرض القوميات على بعضها بعضا, وكان همه فقط أن تكسب العاصمة مدريد كل شيء وأن تتحكم بكل مقدرات الإنسان الإسباني، ولو بالنار والدم.

الكاتالونيون ينظرون إلى إنجاز برشلونة وتحطيمه مباهاة وتغني أنصار الريال قبل سنوات بالتفوق الرقمي بأنه مستحق ويفاخرون أن مكتسبات برشلونة تحققت في حقبة الحرية التي تمتعت بها إسبانيا سواء قبل الديكتاتور فرانكو أو بعد زواله إلى الأبد، ومجيء خوان كارلوس رمز حرية إسبانيا.

التاريخ يقول إن أول دوري حققه الريال كان برعاية فرانكو عام 1954, والبطولات الأوروبية الست تحققت كذلك في حقبة الطاغية فرانكو الذي كان يتدخل في كل تفاصيل حياة البشر بإسبانيا, وما قراره المتعسف عام 1951 بمنع تمرير توقيع الأسطورة ألفريدو دي ستيفانو (أسطورة الريال طيلة تاريخه) لمصلحة برشلونة وإرغامه على التسجيل للريال وإلا لن يمنح الإقامة بإسبانيا إلا دليل على التدخل، كل هذه الحقائق يصر الكاتالونيون على أنها مثار سخرية لأرقام الريال كروياً, فيصفون حقبة إنجازات المدريدي بأنها كانت تحت ظل (إسبانيا السوداء) من حيث الظلم الاجتماعي والخراب والتصفيات الجسدية دون محاكمات وحرق المساكن والمزارع وحتى الكنائس, ونحو ذلك من سجالات قراء الصحف الإسبانية عقب القفزة النوعية التي تحققت أخيراً لبرشلونة على صعيد الفريق الكروي الأول الذي بات أيقونة كرة القدم وبكل لغات الكون.

مرحبا بسجالات التاريخ والأرقام, وعفواَ لا نريد سجالات منطلقاتها التعصب والعناد والاحتقان.