تحولت المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت إلى ساحة لتفريغ الطاقات المكبوتة والفراغ الاجتماعي الذي يعيشه الكثير من الفتيات والمراهقات . ولم يتوقف الأمر عند حد الدخول في علاقات اجتماعية جديدة فحسب بل انطلق العديد من الفتيات لتصوير كافة الأحداث والوقائع اليومية لأسرهن لحظة بلحظة و نشرها على الإنترنت . وقد تفتق فكر العديد من الفتيات اللاتي لهن صفحات خاصة على موقع "فيس بوك" عن ظاهرة غريبة يقمن فيها بتصوير أجزاء من أجسادهن لا تدل على شخصية أي منهن كنوع من لفت الانتباه والخروج بصور لا تعطي أية دلالات على شخصية صاحبها وقد تبعهن في هذا التوجه العديد من الشباب. وهي الظاهرة التي يرصدها، الخبراء في المجال الإلكتروني ليطالبوا بضرورة توعية الجيل بثقافة الخصوصية وتعليمهم ما يجب أن ينشر ومالا يجب نشره .

وتقول الإعلامية مريم الجابر : لاحظت العديد من الصور الغريبة على صفحات "فيس بوك" وكأنها صور تحتاج إلى إكمال الصورة وهي صور لأظافر فتيات أو أقدام وأحذية أو صور بدون وجوه أو بنقاب حتى لا تدل على أي شخصية . وكانت إحصائية رسمية للمواقع الاجتماعية قد كشفت عن زيادة عدد السعوديين المشتركين في " فيس بوك" إلى نحو 2.3 مليون مستخدم من أصل 5 ملايين مستخدم في الدول الخليجية الست مجتمعة.ووفقاً للإحصائية فإن نحو 29 % من مستخدمي الإنترنت في السعودية يستخدمون موقع "فيس بوك"، في حين بلغت نسبة المستخدمين الذكور قرابة الـ 67 % ، و ما يزيد على 48 % من المشتركين في السعودية هم تحت سن 25 عاماً.

وتقول الجامعية أمل الصالح إن العديد من الفتيات يدخلن إلى عالم "فيس بوك" بأسماء مستعارة مثل "الغريبة" "توتي" "الدلوعة" "المهاجرة" إلى آخر تلك الأسماء الرمزية مع إظهار أجزاء من الإكسسوارات والأحذية وأشكال غريبة للمناكير وصور ناقصة , وهي حاله من الهوس في حب الظهور وحب التصوير والخوف من أن تتم معرفتها من قبل الأهل والأقارب , مع إرضاء شغفها بالتصوير والظهور بصور الإيمو وقصات وأزياء الإيمو والأغرب ظهور الدماء في الكثير من تلك الصور التي تجد إقبالاً كبيراً من البنات إضافة إلى صور المقالب الطريفة. وأضافت هناك شغف غير عادي بالتصوير لدرجة أن العديد من الفتيات ينشرن تفاصيل حياتهن على "فيس بوك" بما في ذلك أدق تفاصيل الحياة والأماكن التي يرتدنها.

وقد لاحظت استياء معظم الأزواج والأهل من تلك الظاهرة ونقل برنامج "قاضي الغرام" بالتليفزيون شكوى العديد من الأزواج من كشف الحياة الأسرية و تحركات الأسرة على الإنترنت. وأضافت ريم العمري "طالبة جامعية "أن عالم "فيس بوك" حول الفتيات إلى رهائن لأجهزة "بلاك بيري" وغيرها من أجهزة الجوال التي جعلت الشباب والفتيات لا يفارقون هذه الأجهزة فهي إما بين أيديهم أو معلقة في رقابهم وهي تشاركهم كافة تفاصيل حياتهم مع عدم الوعي بأهمية الحفاظ على الخصوصية. ومن جهته حذر رئيس قسم التعليم الإليكتروني بجامعة الملك خالدالدكتور عبد الله الوليدي من عدم وعي المجتمع بثقافة خصوصية الحياة وما يمكن أن نتشارك فيه مع الآخرين وما لا يمكن . وقال إن الثقافة الإلكترونية وأدواتها التقنية نقلتنا إلى عوالم جديدة تستدعي الوعي والثقافة حماية من المشاكل التي يمكن أن تحدث نتيجة البراءة في استخدام التقنية ونشر الخصوصيات والأسرار التي قد تترتب عليها مشكلات اجتماعية. وأضاف أن المجتمعات المنفتحة تعاني من وجود مشكلات تنتج عن عدم الوعي بثقافة الخصوصية مؤكدا تزايدا كبيرا في مستخدمي "فيس بوك" في السعودية ودول العالم واستخدام عالم "البلات فورم "الذي نقل الجيل بأكمله إلى العالم الإلكتروني والذي يمكن استغلاله بشكل أمثل في تبادل الأفكار والهوايات والقدرة على التعبير عن الذات والاستفادة من الثورة المعلوماتية بوعي. ومن جهته أشار أستاذ علم الاجتماع التربوي بجامعة أم القرى الدكتور محمود الكسناوي إلى أن التقنيات الحديثة التي دخلت إلى مجتمعنا العربي عامة والسعودي خاصة كانت تحتاج منا إلى تهيئة الجيل الحالي لاستغلالها بشكل أمثل وذلك من خلال مؤسسات المجتمع كالمدرسة والجامعة والأسرة. وقال إن هذه التقنيات رغم منفعتها الكبيرة إلا أنها جعلت الشباب والشابات يعيشون انفتاحا عبر هذه التقنية غير موجود على أرض الواقع مما أدى إلى إدمان العديد منهم الجلوس أمام أجهزة الحاسب الآلي أو إدمان الكثيرين منهم الدخول إلى الإنترنت عبر الهواتف النقالة فصرنا نادرا ما نجد شابا أو شابه لا يستخدمون هذه التقنية بأساليب وطرق مختلفة . وأضاف هناك استغلال سلبي للتقنية يضعنا أمام مسؤوليات كبيرة تبدأ من التربية الأسرية والمدرسية والتي لها دور كبير وهام في التربية على القيم والمبادئ واحترام الذات واحترام الآخرين ومشاعرهم، إضافة إلى أهمية دور الإعلام في الوصول بشكل صحيح إلى هذا الجيل و إقناعه بالحجة بضرورة الاستفادة من هذه التقنية فيما ينفع الشخصية ويطورها ويعزز دورها في المجتمع .واعتبر الكسناوي أن هناك دورا كبيرا يجب أن يقوم به المجتمع لحماية الشباب والشابات مؤكدا أن الفراغ هو العامل الأساسي الذي يوجه سلوك الفتيات إلى هذا الاتجاه وطالب الكسناوي بفتح مجالات جديدة للعمل وخاصة لخريجات الجامعات اللاتي لم يحصلن على حظهن في الزواج أو الوظيفة .

وقال إن المجتمع مطالب بفتح أبواب العمل الجديد أمام المرأة بما لا يتنافى مع تعاليم الدين ولا تقاليد المجتمع فكما عملت المرأة في التعليم والتمريض يمكنها أن تعمل في مجالات الصناعة للتخلص من مشكلات الفراغ . كما طالب بتخفيض سن التقاعد إلى سن 50 سنه وإتاحة فرصة للفتيات للمشاركة في برامج خدمة المجتمع والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في توظيف المرأة بما يتواءم مع المجتمع السعودي وخصوصيته.