السياسة والاقتصاد صنوان متلازمان، ولكن السياسيين عادة ما يقودون المعركة، ولاحقاً يكتشفون أنه كان عليهم أن يتركوا القيادة للاقتصاديين. وهناك أمثلة قديمة وحديثة، منها في الماضي مآسي حرب فيتنام عندما نظّر ضباط وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) المتنفذون خلال الحرب الباردة بأن تحوّل فيتنام إلى نظام شيوعي سيعني سقوط جميع دول شرق آسيا (نظرية الضومنة)، وبعد هزيمة أمريكا في عام 1975، تحوّلت فيتنام إلى دولة شيوعية، واليوم نجد أنها أصبحت المكان المفضّـل لاستثمار رأس المال الغربي في مختلف الصناعات بعد أن بدأت تكاليف الإنتاج بالارتفاع في الصين الشعبية.
ومنذ عام 1958، اتخذت الحكومات الأمريكية المتعاقبة سياسة الحصار الاقتصادي لكوبا، ومع ذلك صمد النظام الشيوعي كل ذلك الوقت لأن الحصار ساعد النظام الكوبي على الاعتماد الذاتي، بالإضافة إلى دعم الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة. واليوم، قررت إدارة أوباما الانفتاح على كوبا، ودعتها إلى حوار مباشر، واعترفت بخطأ سياستها خلال العقود الخمس الماضية!! ماذا يعني كل ذلك؟! إنه ينبهنا، نحن دول العالم الثالث، بعدم الانجراف مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة في سياساتها، خصوصاً عندما يكون لديها مشكلة إيديولوجية مع هذا النظام أو ذاك، فالإيديولوجية الحقيقية للرأسمالية، وبالذات في أمريكا، هي تعظيم العائد المالي، ولكن الإيديولوجي المرتبط بالسياسات المحافظة قد ينجح في تأخير ذلك الانفتاح، ولكن الانفتاح يحدث، ويجب ألا نقف مشدوهين للتغيرات الكبيرة التي تحدث حولنا لمجرد أننا لا نقوم بمثل تلك التغيرات، وبشكل جوهري كما يقومون به!
وخير مثال على الاختلاف الجوهري بين إدارتين أمريكيتين، هو مواقف وتصرفات وسياسات إدارة أوباما، مقارنة بسلفه بوش الابن!
بل إننا أصبحنا نرى اختلافا وتغيراً، في مواقف الإدارة الأمريكية الواحدة، وخلال أشهر وليس سنوات، وخير مثال على ذلك موقف الإدارة الأمريكية من مجريات أحداث الربيع العربي عند بداياتها، وموقفها اليوم، واللذان يختلفان جذرياً!!
لكل ذلك، أقترح على رجال الأعمال السعوديين، الذين يوزعون استثماراتهم داخل المملكة وخارجها، أن يضعوا كوبا على خارطة الاستثمار، فهي اليوم أرخص بلد في العالم، ومتى ما انتهت زعامتها الشيوعية التاريخية، ومن ثم رفعت أمريكا حصارها كلّية، وذلك قادم، فستكون أكثر بقع العالم جاذبية، ولديها من مقومات السياحة والخدمات الطبية والسكّر الكوبي، وكذلك السيجار الكوبي، لمن يحبه، ما يجعلها بقعة جذب كبيرة قبل أن يغزوها رأس المال الأمريكي، وهو قادم لا محالة.