في ظل التقارب الكبير بين العالمين الحقيقي والرقمي، يشهد العالم أجمع تباشير ثورةٍ جديدة، لم يتأخر الشعور بأثرها على طريقتنا في العيش، وكيفية تفاعلنا مع الآخرين، وعلى الأساليب التي ندير بها أعمالنا، وننجز معاملاتنا المصرفية، ونتسوق. كما أنها تغير الطريقة التي نتلقى بها الرعاية الصحية، والتعليم، وطريقة تنفيذنا للمعاملات الحكومية، وطريقة سفرنا واستهلاكنا للطاقة. ويقدم هذا الاندماج فرصة فريدة للمستهلكين والشركات والحكومات للقيام بمهامهم بشكل أسرع بتكاليفَ أقلّ.
دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، في وضعٍ يؤهلها لاستثمار هذه الإمكانات الجديدة، وترسيخ مكانتها كواحدةٍ من أوائل الاقتصادات الإقليمية في العالم التي تحقق نقلة نوعية في الاقتصاد والمجتمع الرقمي. ويلعب مشغلو الاتصالات دوراً رئيسياً في دعم وتسريع هذا الانتقال عبر تطوير بنيةٍ تحتيةٍ وطنيةٍ متقدمةٍ للاتصالات وتقنية المعلومات، وتوفير تطبيقاتٍ وخدماتٍ مصممةٍ خصيصاً لدمج المعلومات والتحليلات بعالم الاتصالات.
مجموعة الاتصالات السعودية، مزود خدمات الاتصالات الرائد على مستوى المملكة والمنطقة، قامت حتى الآن بنشر 80.000 كيلومتر من كابلات الألياف البصرية، كما شرعت في نشر الجيل المقبل من تقنية النفاذ،كما تستثمر المجموعة كل عام أكثر من 5 مليارات ريال لربط المزيد من المنازل وقطاع الأعمال بالتقنية الحديثة. ومع ذلك، فإن هذا الاندماج بين العالمين الحقيقي والرقمي لا يمكن تحقيقه بواسطة مشغلي الاتصالات وحدهم، فتدخل الحكومات هام وضروري لوضع صنفين من السياسات الأساسية هما: بناء الاتصالات وتقنية المعلومات باعتباره قطاعاً مركزياً، وتمكين القطاعات الأخرى من التحول من خلال هذا القطاع.
فتطوير الاتصالات وتقنية المعلومات باعتبارها القطاع المركزي سيبني المحركات الوطنية الأساسية لثورة الاتصالات وتقنية المعلومات في طرفي العرض والطلب من المعادلة، ففي جانب العرض يؤمل على السياسات توفير طرق الحفز السليمة لمشغلي الاتصالات بهدف تطوير البنية التحتية للجيل المقبل وإتاحتها لجميع سكان المملكة، وهو ما يتطلب إيجاد التوازن الصحيح بين الاستثمارات الخاصة وشراكات القطاعين العام والخاص (في أستراليا، على سبيل المثال، ستقوم الحكومة بتوفير التمويل لمعظم التكلفة اللازمة لنشر شبكة برودباند وطنية تغطي 93% من المناطق المأهولة بالسكان، والتي تبلغ 36 مليار دولار، بينما ستستثمر الحكومة البريطانية 830 مليون جنيه من أجل الحصول على أفضل شبكة برودباند في أوروبا بحلول عام 2015م).
أما في جانب الطلب، فالمؤمل أيضاً من صناع القرار السياسي توفير كافة الوسائل الكفيلة بتشجيع استخدام خدمات ومنتجات الاتصالات وتقنية المعلومات. وحتى نتمكن من دعم السياسات في جانبي العرض والطلب، فإنه من الواجب والمهم إنجاز عددٍ من البرامج المتقاطعة جنباً إلى جنب، وهي: زيادة القوى العاملة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، ورعاية الأبحاث وتشجيع الإبداع والابتكار في هذا المجال. وفي هذا السياق، لا بد من تزويد أصحاب العلاقة من المواطنين السعوديين بالمهارات، والأدوات، والقدرة على الاستبصار حتى يتمكنوا من العبور نحو المجتمع والاقتصاد الرقميين.
إن تطوير الاتصالات وتقنية المعلومات كمحرك للتغيير الاقتصادي ينبغي أن ينبع من إستراتيجيات وزارية وخطط عملية مصممة لتحويل قطاعات مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والدفاع والحكومة وغيرها من القطاعات الأخرى، وذلك من خلال الاتصالات وتقنية المعلومات. ويعمل مزودو ورواد صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات بالمملكة الآن على تهيئة أنفسهم للقيام بدور مفتاحي في تحويل تلك القطاعات.
ويمكن للأجندة الوزارية الواضحة أن تتعامل مع عددٍ من المسائل المعقدة بحيث يستطيع مزودو خدمات الاتصالات لعب دورهم بفعاليةٍ في هذا المجال، مثلاً: ما هي رؤية القطاع وأهدافه الإستراتيجيـة؟ ماهي المبادرات الحاسمة اللازمة لتحقيـق الرؤية والأهداف الإستراتيجية؟ ما هي الأساليب التي يمكن أن تعتمدها الـوزارات ومزودو خدمات الاتصالات كي يلعب كل جانب دوره في سبيل تحقيق تلك الأهداف بكفاءة؟
يعتبر وضع السياسات الصحيحة لتطوير الاتصالات وتقنية المعلومات كقطاعٍ مركزيّ مفتاحاً رئيسياً للتنمية في المملكة العربية السعودية، والحكومة تعي هذا التحدي كما توضح ذلك الخطوات الكبيرة التي اتخذت في هذا الخصوص: ففي العام 2007م، وضعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات خطة شاملة للاتصالات وتقنية المعلومات (NCITP) على المستوى الوطني تحدد أهدافاً لتحقيق تنميةٍ اقتصاديةٍ اجتماعيةٍ مستدامةٍ في البلاد من خلال هذا القطاع الحيوي، وفي الوقت نفسه، فإن وزارة الصحة – ضمن وزارات أخرى تسعى لإدخال الاتصالات وتقنية المعلومات إلى صُلب إستراتيجياتها – تعمل حالياً على تصميم إستراتيجية للصحة الإلكترونية، التي ستترجم إلى عددٍ من برامج الاتصالات وتقنية المعلومات خلال السنوات الخمس المقبلات.
وفي الوقت الذي توضع فيه السياسات والإستراتيجيات بشكل تدريجي، بواسطة الحكومة، يكون من الضروري استخلاص الدروس في هذا المجال من البلدان المتقدمة والخبراء العالميين. مع التأكيد وبفخر أن مجموعة الاتصالات السعودية، بخبراتها العالمية الممتدة، تتبوأ مكانة فريدة تؤهلها لتقديم مساهمةٍ رئيسيةٍ في تحويل المنطقة إلى المجتمع والاقتصاد الرقميين.