لا أعلم لماذا أقلق وأنا أشاهد مواقف موسكو المتناقضة تجاه الواقع العربي. ولا أعلم لماذا أتذكر رواية "مزرعة الحيوان ـ Animal Farm" حينما أستمع إلى تلك التصريحات الروسية العشوائية والانفصامية، تعليقا على ما يجري في ليبيا وسورية.

وبالعودة إلى تلك الرواية العظيمة التي جسدت ثورة التخلص من الخنوع والاستسلام، والشروع في مواجهة الاستبداد، فإن كاتبها جورج أورويل أسقط فجيعته بالثورة الروسية بإتقان تام في مشاهد رمزية لعدد من الحيوانات.

وليس خافيا أن موسكو اتخذت منذ تولي الرئيس فلاديمير بوتن سلسلة من الإجراءات لاستعادة ثقلها على الساحة الدولية، إلا أنه بحلول عام 2007 كانت مواقفها في تصاعد مستمر نظير مساعي الولايات المتحدة بناء "درع صاروخي" في بولندا والتشيك. وقد تمثلت مواقفها في إطلاق تهديدات بإقامة قواعد عسكرية ودروع نووية مماثلة لما تسعى إليه أميركا. وحتى تكتمل الحبكة، سربت أخبارا مفادها أن سورية ضمن خياراتها الأولى لإقامة تلك القواعد (بالقرب من إسرائيل)، إضافة إلى ليبيا التي ستكون بوابتها لإطلاق الصواريخ على أوروبا.

انطلت تلك المزاعم السياسية على زعيمي هاتين الدولتين العربيتين، ودخلا في شراكة هشة مع موسكو، لكن واقع الحال هذه الأيام يؤكد خطأهما الشنيع، فروسيا لا ترى في النظامين السوري والليبي سوى عميلين موقتين، وهما رهينة بتحقيق المصالح المرتبطة بالتغيرات الإقليمية. ولعل خير دليل على ذلك هو موقفها من القذافي. فبعد أن وقفت إلى جانبه مرارا لدغته فجأة ودعته إلى ترك السلطة، وسواء بسواء أعلنت أنها ضد مطالبة الأسد بالتنحي، وستفعل به حتما كما فعلت بصاحبه.

والخلاصة أن نظام القذافي انتهى بلا رجعة، والطريق ما زال أمام بشار ليعود عن غيه وبطشه، وإن أصر على الركض وراء الدب الروسي، فسيكتشف في نهاية المطاف أنه لم يكن ثعلبا كوالده ولا أسدا. بل (...). وأترك لكم حرية التخمين.