في العام الماضي، عندما دخل العقيد معمر القذافي إلى مبنى الأمم المتحدة في نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة مع حارساته الشخصيات، لم يفكر أحد على الإطلاق أن تلك قد تكون المرة الأخيرة التي يحضر فيها إلى الأمم المتحدة. الدكتاتور المغرور الذي مزق ميثاق الأمم المتحدة على المنصة هو حاليا في مكان غير معروف، بينما لا يزال بعض حراسه المخلصين يقاتلون قوات المتمردين في طرابلس ومناطق أخرى. إذا تم اعتقال العقيد القذافي أو استسلم للمعارضة فإنه قد يجد نفسه في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والأمر نفسه ينطبق على أبنائه. هذا الرجل المعجب بنفسه قد يلقى نفس مصير الرئيس العراقي السابق صدام حسين. الدكتاتور العراقي تم العثور عليه واعتقاله في مكان كان يختبئ فيه لمدة من الزمن. ذلك الرئيس العراقي القوي واجهته المحكمة بتهم عديدة تتعلق بارتكاب جرائم ضد شعبه وحكم عليه بالإعدام، حيث نفذ فيه الحكم وسط بهجة الحراس الذين حضروا ونفذوا عملية الإعدام.
وفيما يراقب العالم ليبيا ليشاهد الفصل الأخير من سقوط القذافي، هناك شيء أكبر بكثير يحدث في أماكن أخرى من الشرق الأوسط. سورية تعاني من الفوضى منذ شهور طويلة وتحولت إلى مسرح للصراع بين المحتجين المطالبين بالحرية وبين الحكومة، وقد قدم سقوط القذافي جرعة قوية ومنشطة للمعارضة السورية، ولكن ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن تؤثر التطورات الجديدة في ليبيا على الحركة المناهضة للرئيس الأسد في سورية، تماما كما ألهمت أحداث تونس وسقط الرئيس السابق زين العابدين بن علي المصريين واليمنيين والليبيين، فلا شك أن سقوط القذافي سيلهم أيضا الحركات المطالبة بالحرية في مناطق كثيرة من الشرق الأوسط.
ولكن هذه التغييرات لا تزال تعتمد على المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها الشعوب المنتفضة من دول العالم، وخاصة من الدول المجاورة ومن الغرب. على سبيل المثال، الانتفاضة في سورية ربما تلقى دعما من الجامعة العربية ومن الدول الغربية لأسباب ومصالح مختلفة، لكنها بالتأكيد لا تلقى أي دعم من إيران وحزب الله وروسيا والصين. التغييرات التي يتطلع إليها الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ويسعى لتحقيقها في الحالة السورية، وعلى رأسها وقف الدعم السوري لحزب الله اللبناني وحركة حماس، هي بالضبط الأسباب التي تجعل إيران تقف ضد هذه التغييرات. حتى بالنسبة لإسرائيل، من الأفضل لها تأييد رحيل نظام بشار الأسد لأنه يدعم عدويها الرئيسيين في المنطقة: حماس وحزب الله. لكن إسرائيل حذرة أيضا وقد تكون قلقة من أي تغيير في سورية، لأن الأسد يقود حكومة علمانية، وهو قادر على الحفاظ على أمن حدود إسرائيل مع سورية، وقد تكون علاقته مع حزب الله وحماس مرحلة تكتيكية يمكن تجاوزها في حال وافقت إسرائيل على إعادة الجولان إلى سورية. وكانت سورية قد دخلت مفاوضات مع إسرائيل منذ عامين، برعاية تركية، لكنها فشلت في الوصول إلى أي نتائج – ربما بضغوط إيرانية، لكن ليس هناك ضمانات بأن أي حكومة جديدة قد تخلف حكومة الأسد في المستقبل ستكون علمانية. هناك احتمال بأن تأتي حكومة إسلامية متطرفة تأخذ موقفا مغايرا من إسرائيل.
حتى إيران لا تستطيع أن تتخيل سورية بدون نظام الأسد، لأن أي حكومة قادمة بديلة لنظام الأسد قد تكون حكومة سنية تنضم إلى الحكومات السنية الأخرى في المنطقة وتأخذ موقفا مختلفا تماما من إيران. الأسد هو أقوى حليف لإيران في الشرق الأوسط، كما أن سورية تمثل الطريق الذي ترسل منه إيران إمداداتها العسكرية إلى حزب الله. لذلك يعتبر سقوط النظام السوري، إن حدث، نهاية مرحلة بالنسبة لإيران وسيقود لمشاكل كبيرة في جنوب لبنان وغزة.
مثل هذا التغيير سيؤثر على إيران بالتأكيد، وقد يهز السلطة المطلقة للمرشد الأعلى للثورة في إيران آية الله خامنئي الذي يحكم إيران منذ 22 سنة. الأحداث في دول الشرق الأوسط أثبتت أن أي شيء ممكن. الحقيقة الهامة هو أن كل دكتاتور من حكام هذه الدول يعتقد أنه يختلف عن غيره ولا يصدق أن الشعب يستطيع أن يسقطه.
من الصعب التكهن فيما إذا كانت الأمم المتحدة ستعترف هذه السنة بدولة مستقلة للفلسطينيين، وفيما إذا كان ذلك سيساعد على إيجاد حل شامل ودائم للصراع في الشرق الأوسط. ولكن إذا تم التوصل لسلام شامل ودائم في المنطقة، فلن تكون إسرائيل بحاجة للاحتفاظ بقوتها النووية لحماية نفسها. وكذلك لن يكون هناك مبرر للتدخل الإيراني في لبنان وغزة بحجة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
بوجود التغييرات التي حدثت وتحدث في الشرق الأوسط، سيكون من الصعب على إسرائيل أن تستمر في ممارستها الحالية وسط دول ديموقراطية خالية من الفساد. وكذلك سيكون من الصعب على الدول الغربية أن تستمر في الكيل بمكيالين في تعاملها مع إسرائيل من جهة ومع الفلسطينيين وباقي الدول العربية من جهة ثانية. سقوط الدكتاتوريات في الشرق الأوسط سيؤسس لحالة جديدة مختلفة تماما عن الوضع الحالي، وستكون الحالة القادمة أكثر ديموقراطية وأكثر حرية وأكثر عدالة.