يقول أحدهم إنه قابل أجنبياً كان يعمل في المملكة، ثم انتقل للعمل في الإمارات، فلما رآه بادره بقوله إنه يتحسرعلى المملكة ليقول له السعودي متعجباً: الجميع يمتدح العمل في الإمارات، ليرد: "الإماراتيون بيحبوا وطنهم مش تاركين لنا فرصة نترزق الله". ونترزق الله بمعنى ننشل، نسرق، ننهب. أتامل جملته وأتساءل: هل نحن ـ السعوديين ـ لا نحب وطننا، لذا نتغاضى أو لا نهتم بمن يسرق أو يفسد ممتلكاته؟ أم إننا بكل هدوء لا نعرف كيف نكون مواطنين؟
في الواقع أن هذه المعرفة المفترض أن تقدم للطفل في المدرسة، عبر مادة التربية الوطنية التي أقرتها وزارة التربية والتعليم، لكنها للأسف تعاني من الكثير من السلبيات، حتى إني قرأت دراسة تبين الفرق بين منهج التربية الوطنية في السعودية وبريطانيا، يتمثل في أن الأول أعد ليحفظ، والثاني أعد ليعد مواطناً إيجابياً، لذا تجد في منهجهم أسئلة مثل: ماذا تقدم لكذا؟ أعد خطة للقضاء على..؟ ما هي مقترحاتك لحل هذه المشكلة؟ فيكبر هؤلاء الأطفال ليكونوا أعضاء فاعلين داخل المجتمع، بينما تندر تلك النماذج في مجتمعنا.
ومن هؤلاء الندرة، ومن باب الدعوة للاقتداء، أذكر نماذج من محيطي وهو التربية والتعليم، وليكن أولهم زميلتي سابقاً المعلمة (سلوى) وهي مكلفة بالإشراف على الصيانة في المدرسة، ولقد وجدت أن العامل المرسل من إدارة التعليم يقوم بتغيير المراوح السليمة ووضع جديدة بدلاً عنها، أي أن في الأمر هدرا لمال الدولة، والله وحده يعلم لم فعل ذلك، لكنها واجهته ورفضت التوقيع على الفواتير، وألزمته بإعادة المراوح، كم شخصاً منا سيحمي مال الدولة هكذا؟
أيضاً دعوني أتحدث عن الدكتور غانم الغانم مدير إدارة الجودة الشاملة في وزارة التربية والتعليم، الذي وجد أن منظمة اليونسكو التي تعد المملكة من أهم داعميها لا تقدم شيئاً لتعليمنا، في الوقت الذي تدعم دولاً هي الآن الأولى دولياً في التعليم، لتؤدي جهودها إلى جعلها تلتزم بالمساهمة في تطوير التعليم لدينا مقابل ما قدمناه لها. كما أنه جلب أكثر من 4 مليارات ريال قدمها رجال الأعمال في مؤتمر الجودة في التعليم بوصفه أميناً له، للتصرف في تدريب المعلمين ودعم مواهب أبنائنا.
كذلك يستوقفني اسم الأستاذة هيا البارقي مديرة الثانوية الأولى ببيشة، التي وجدت نفسها مديرة لمدرسة في حي فقير تعاني الفتيات فيه من التهميش، فعقدت شراكة مع المستوصفات لمعالجتهن مجاناً، كما استطاعت جلب مساعدات من رجال الأعمال وقدمت لهن دورات مختلفة لتطوير مهاراتهن.
من المؤكد أن في كل زاوية من بلادنا صورا مضيئة، لكننا نتمنى أن نبحث أفضل السبل ونبدأ من حيث اتتهى الآخرون في غرس قيم المواطنة في دماء الناس، لنهب جميعا هبة واحدة لتعظيم مكتسبات وطننا بميزة نسبية هي المواطنة الفاعلة المنتجة.