تبقى كرة القدم لعبة هامة تثيرها النتائج على المستطيل الأخضر خلال 90 دقيقة .. وفي هذا الوقت لا التاريخ ولا الماضي الجميل ولا الاسم يشفع أو ينفع أو يساعد في الملعب بل هو العطاء والمجهود الجماعي وليس الفردي إلا في حالات نادرة جدا وهذا لم يحصل إلا في زمن بيليه ومارادونا فقط. ولا ننسى الإعداد والاستعداد قبل كل مباراة لأنها تختلف من مباراة إلى أخرى.. بالإضافة إلى احترام الخصم مهما كان صغيرا أو كبيرا.

الصغير يكبر.. والكبير يهرم.. وهذه سنة الحياة في كل شيء.. ويظل الواقع يفرض نفسه في النهاية رضينا أم أبينا.. وهنا لا يصبح للمنطق أي مكان.. ولكن للأسف في كثير من الأحيان نكابر ونبالغ بل يصيبنا الغرور ومن ثم تأتي الصفعة موجعة لا نتحملها.

والدليل كوبا أميركا 43 التي أقيمت مؤخرا في الأرجنتين وما حصل فيها.. في وقت أن الكثير سموها بالمفاجآت المدوية.. خرجت الأرجنتين صاحبة الأرض والجمهور وأحسن لاعب في العالم طبعا ميسي.. ومعها كولومبيا التي قدمت مستويات أكثر من رائعة في مجموعتها التي تصدرتها على المضيف الأرجنتيني ولم يدخل مرماها هدف واحد في مباريات المجموعة.. ولحقتها البرازيل بنجومها الكبار والأغلى على مستوى العالم وأكبر مصدر لاعبي كرة قدم في العالم.. وهذا أمر محير للجميع لما تملكه البرازيل من مواهب ليس لها مثيل.. وبعدها تشيلي صاحبة أفضل أداء ومنهجية هجومية من أيام تصفيات كأس العالم 2010 التي جاءت في المركز الثاني بعد البرازيل والفريق الوحيد مع الباراجواي الذي استطاع الفوز على البرازيل في التصفيات بالإضافة إلى صاحبة أكبر نسبة فوز في التصفيات أيضا مع الباراجواي برصيد عشرة مرات فوز وأيضا يلعب في صفوفها هداف التصفيات الأول اومبيرتو سوازو الذي سجل 10 أهداف.

ذهب التاريخ أدراج الرياح.. وتبخر المنطق ليصبح سرابا كلما اقتربت منه اختفى أن ما حدث في هذه البطولة العجيبة الغريبة في نظر البعض أو الأغلبية ما هو إلا واقع لحال أناس يخططون ويعملون حسب التخطيط بالاهتمام بالقاعدة والصبر على تنفيذ هذا التخطيط وإعطاء المدرب الفرصة للعمل حتى تظهر بصماته على الفريق.. على سبيل المثال فارياس مدرب منتخب فنزويلا الشاب الذي لم يبلغ من العمر إلا 38 سنه فقط؟ وهو مدرب لمنتخب تحت 20 سنة وصعد لتدريب الأول ومعه اللاعبون الصغار الذين كانوا يلعبون معه تحت 20 سنة فهو مع المنتخب 3 سنوات.. السيد تاباريز مدرب الأوروجواي الآن 6 سنوات مع المنتخب.. ياسلااااام على الفكر كيف لا ونحن نشاهد منتخبا قويا جدا جدا جدا استطاع أن يخرج صاحب الأرض الأرجنتين بحضور 55 ألف متفرج تقريبا.. لنرفع له القبعة وللاتحاد الأوروجوياني واللاعبين.. مدرب منتخب الباراجواي السيد مارتينو السنة الخامسة الآن وشاهدنا منتخب الباراجواي كيف يخرج البرازيل في مباراة تقف لمنتخب الباراجواي احتراما ولمدربه واتحاده المحلي.. الله الله الله على الفكر والرغبة في صناعة منتخب قوي متفاهم منسجم وقتالي.

ذهبت البطولة لمن يستحقها فعلا منتخب الأوروجواي بقيادة المدرب الداهية والخبير المايسترو السيد تاباريز الذي يمضي السنة السادسة مع المنتخب ولقد قدموا لنا نموذجا مثاليا من المفروض علينا كمتابعين ومحبين لكرة القدم وأيضا مسؤولين في أندية أو اتحادات أن نستفيد منها ولو الشيء البسيط وأن نعمل على تطوير أنفسنا من خلال هذه التجارب الواضحة أمامنا وليست معقدة.

من وجهة نظري أن كوبا أميركا هي بمثابة محاضرات عملية على مدار 24 يوما مجانية وبدون رسوم للاستفادة منها لمن أراد أن يستفيد فقط! على الأقل أن نتعلم أن كرة القدم هي جماعية وأن النجم هو كذلك بأدائه وليس باسمه؟ وهذا ما حصل مع منتخبات كبيرة أولها البرازيل والأرجنتين وكولومبيا التي تمر بمرحلة رائعة من ناحية المواهب واللاعبين حيث إن 9 لاعبين من التشكيلة الأساسية يلعبون لأكبر الأندية الأوروبية.. فماذا قدم نجوم البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وتشيلي قياسا لما قدمه نجوم الأوروجواي البطل أو باراجواي أو فنزويلا أو منتخب البيرو الرائع.

يعيش منتخبا أوروجواي وباراجواي اللذان لعبا النهائي استقرارا فنيا على مستوى المدربين، فالمدربان تاباريز مدرب الأوروجواي والسيد مارتينو لهم 5 سنوات مع المنتخب.. ونحن نغير دورينا الأفضل عربيا كما يقول المضللون والمضرون بكرة القدم السعودية في الموسم الواحد 4 مدربين في أغلبية الأندية وعليكم الحساب؟ ماذا فعل نجوم منتخب أوروجواي سواريس وفورلان ولوقانو وماكسي بيريرا والفارو بيريرا وقارقانو واريفالدو والحارس الرائع موسليرا رغم أنهم نجوم في أنديتهم الأوروبية ولكنهم استمروا مع منتخب بلادهم بنفس العطاء بل أكثر.. كيف استطاع المسؤولون في الأوروجواي وأيضا المدرب جعل هؤلاء النجوم يستمرون في عطائهم المميز؟ ماذا فعل لاعبو منتخب الباراجواي سانتا كروز وباريوس وفالديز واستيقاريبيا والكراز وباولو دا سيلفا كي يهزموا البرازيل في مباراة ربع النهائي وتتعادل البرازيل في تصفيات المجموعات بعد أن كانت متقدمة إلى آخر ثواني المباراة؟ كيف استطاعت فنزويلا الوصول إلى نصف النهائي وهو أضعف منتخبات أمريكا الجنوبية على الإطلاق؟ إنه العمل والجد والاجتهاد والاحتكاك والاحتراف الخارجي! ونحن لا نريد من لاعيبنا أن يحترفوا في الخارج بل نحارب كل لاعب ونعقد حياته إذا لم يتفق مع ناديه للتجديد وأمور أخرى لا أريد الدخول فيها!

كيف حافظوا على نجومهم من تصفيات كأس العالم الماضية من 2008 وحتى كأس العالم وصولا إلى كوبا أميركا؟ ماذا كان هدفهم؟ هذه بعض الأشياء البسيطة التي من الممكن أن نستفيد منها! فهل نتعلم؟