كثيرا ما أتأمل قراراتنا وأتساءل: ترى هل درست من كل الجوانب بدقة وتمحيص قبل إصدارها؟ هل جمعت المعلومات والأفكار والمعاني حولها بحيث إن إصدارها سيصب في مصلحة أكبر عدد من الناس، وسيجلب لهم الفائدة والسعادة، أم إنها تتخذ حسب أول فكرة تطرأ أو حسب رؤية ومصلحة مصدريها دون أن تتعرض لنقد أو تمحيص؟! تقول بعض الدراسات إن نسبة الإناث في المجتمع السعودي 49? من المجموع الكلي للسكان، وكما نعرف جميعا أن الصيام يسقط عنهن في بعض أيام الشهر الفضيل. ونسبة الأطفال من المجتمع السعودي غير المكلفين شرعا في حدود 40? . أما الوافدون فيقدرون بـ 6 ملايين وافد، عدد لا بأس به منهم ليسوا مسلمين. وحسب إحدى الإحصائيات التي نشرتها وزارة الصحة فإن 25? من سكان المملكة مصابون بمرض السكر، وهو واحد من أمراض كثيرة مثل الفشل الكلوي وغيره يمنع صاحبها من الصيام. يتبقى وفقا للآراء الفقهية الرجل السليم المعافى البالغ هو من لا يحق له الإفطار، ويمكن محاسبته على فعله. من هذه الأرقام يمكن أن نستنتج أن فئة ليست بالقليلة من المجتمع أعطاها الله رخصة الإفطار، ومن حقها أن تمارس رخصة الله دون عتب أو لوم، ولا يصح أن يوجه لهم أي تهمة إذا ما مارسوا هذا الحق في الأماكن العامة، خاصة النساء والأطفال، وبالرغم من هذا يكون القرار أن تغلق المطاعم نهارا في رمضان مراعاة لمشاعر الفئة الأقل على حساب الفئة الأكثر. وربما أخطأ التعبير من قال إن مشاعر الصائمين تجرح لرؤيتهم طعاما يلتهم. فالفكرة ليست في جرح المشاعر بل في زيادة معاناة الصائم عندما يأكل أمامه المفطر أو يتلذذ بكوب قهوة بينما هو ممنوع منها. لكن أليس أحد أهداف الصوم الشعور بمعاناة الفقير الذي لا يجد ما يأكل بينما الغني يعب من خيرات الحياة؟ ثم ألسنا مثابين بأجر عظيم على الصيام الذي حُرم منه غيرنا، فلماذا نضيق على رجل غير مسلم يتناول طعامه ونحن في صلب عقيدتنا نؤمن بضخامة المكافأة وأننا أفضل منهم عند الله منزلة؟

إغلاق المطاعم هو واحد من أكثر الأمثلة التي تتخذ فيها قرارات على مستوى المجتمع بأكمله لخدمة فئة واحدة محدودة بغض النظر عن مصلحة بقية المجتمع. وغيره الكثير، مثل زواج القاصرات وما يترتب عليه من إيذاء نفسي وجسدي لفتيات صغيرات في السن، وما يترتب عليه من أمهات أطفال يربين أطفالا، وكذلك قرار منع قيادة المرأة للسيارة، وحصر مشاركتها في الحراك الاقتصادي في مجالات محددة مع كل الأضرار التي لا تحصى، فقر وجهل وتفريغ البلد من الأموال باستقدام من يحل محلها، كل ذلك حماية للرجال البالغين من فتنتها.

الأمثلة السابقة تطرح لدي جملة من التساؤلات: متى سنختبر قراراتنا بدقة ونراعي فيها العدالة والإنصاف؟ ومتى سيلملم الرجل متطلباته ويترك بقية فئات المجتمع تتنفس معه وتشاركه فضاء الحياة وتمارس وجودها ولو قليلا؟ ومتى ستعي المرأة وضعها، ما لها وما عليها، وتكون منصفة مع نفسها ومع بنات جنسها قبل أن تطالب إنصاف الرجل لها؟