تسير "عبلة" سبعة أيام للوصول إلى مخيم " داداب "، المكان الوحيد الذي يوفر الطعام والخيام لضحايا هذه المجاعة البغيضة. هناك يعيش ما يقارب أربعمئة ألف من الضحايا الذين تشرف عليهم الأمم المتحدة. الأرض قاحلة والحرارة قاتلة وأطفالها يبكون ألم الجوع. الأم تحاول أن تحصل لهم على أي شيء، لكنها لا تشاهد سوى مناظر الجوع.

طفلها الأول عمره سنة، لا تستطيع أن ترضعه لأنها هي الضحية الأكبر لهذه المجاعة. تبحث في كل مكان حتى الماء لا تجده. الطفل يعاني سكرات الموت، يقضي بين يديها. تدفنه عبلة، حتى الدموع جفت، لأن هؤلاء ضحية أقسى فترة جفاف تعانيها منطقة القرن الأفريقي منذ 60 عاماً. الألم يعصر قلبها، وأطفالها ينظرون إلى أمهم، لأنها الأمل الوحيد لهم. تنطلق في أشقى أيام حياتها،لأن الوقت لا يسمح لها بالبكاء أو أن تنعي فقيدها الذي هو روحها. إنها تعد الخطوات لتصل إلى حيث الأمان والطعام.

تصل إلى المخيم، تسقط أرضاً عندما ترى عمال الإغاثة يتجهون نحوها. لقد أنجزت مهمتها، وحمت فراخها من الموت المحقق. ماتت على أبواب المخيم، لكنها في الواقع ماتت قبل ذلك بكثير. عندما كانت تسهر الليل مقهورة على حال أطفالها. ماتت عندما قتلت المليشيات زوجها، وبقيت هي تكابد حياة لا يحتملها أعتى الرجال.

يهرع عمال الإغاثة، يحضرون الأطفال، يحاولون أن يطعموهم. الأطفال يعانون من حالة جفاف كامل. فلا يستطيعون حتى أن يشربوا. يدخل الممرض حقنة المغذية إلى وريد الطفل الأول، لكنه قبل أن ينتهي من مهمته يكون الطفل قد مات. أسرة كاملة تموت، ويبقى طفل واحد شاهداً على هذه المأساة.

هذه قصة من قصص المعاناة التي يعيشها شعب الصومال. القصص التي تفاعل معها صاحب القلب الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإعلانه يوم الاثنين - الثاني والعشرين من رمضان، بداية الحملة الكبرى للتبرع لضحايا المجاعة في الصومال. حملة سيتفاعل معها أبناء الوطن بحسهم الإنساني, وقلوبهم الرحيمة.

تقول تقارير الأمم المتحدة إن ما يصل إلى 29000 طفل صومالي قضوا خلال 90 يوماً الماضية. كما أضافت الأمم المتحدة ثلاث مناطق أخرى في جنوب الصومال إلى منطقة المجاعة. جميع مناطق جنوب الصومال ستضاف إلى القائمة إذا لم يتم التدخل وبسرعة.

مقديشو العاصمة و المناطق المجاورة لها تضم حوالى خمسمئة ألف إنسان يعانون من المجاعة. كما أن هناك مايقارب ثلاثة عشر مليون إنسان في كينيا والصومال وإثيوبيا وجيبوتي يحتاجون للمعونات الإنسانية من قبل وكالات الغوث التي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لتؤدي مهمتها.

العصابات المسلحة هي أكبر عائق تواجهه منظمات الإغاثة. هذه العصابات تقطع الطريق وتروع الناس بهدف السيطرة على البلاد والعباد. كانت الصومال لمدة تجاوزت العشرين عاماً ضحية لهذه العصابات.

البحث عن أسباب هذه المجاعة - بعيداً عن التفكير النظري البحت الذي يربطها بالجفاف وعدم نزول الأمطار - يهمل جزئية مهمة جداً. هذه الجزئية هي أسلوب حكم البلاد. هذه الدولة وجاراتها تعاني مما تعانيه اليوم نتيجة الفساد السياسي. هذه المجاعات التي تجتاح دول أفريقيا هي نتيجة حتمية للفساد الذي استشرى لدرجة عدم وجود الدولة. أصبحت العصابات الإجرامية تقتل الناس وتستولي على ممتلكاتهم وتدمر الأرض والزرع و المواشي.

الصومال هي أكثر دولة فساداً في العالم. كما تقع الدول الثلاث الأخرى في ذيل القائمة فكينيا (154) و إثيوبيا (116) وجيبوتي (91) تمثل في مجموعها حالة من الفساد الذي برز للعيان عندما نقصت الموارد على شكل جثث هامدة في الصحراء، ومخيمات تمولها كل دول العالم. وصور تقطع قلب أي إنسان. بل وتجعله يفقد ثقته في الإنسانية والتكافل الاجتماعي. ما يزيد الطين بلة أن هذه الدول هي أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي. هذه المنظمات التي لابد أن تسهم في حرب الفساد لضمان بقاء البشر وتحسين نوعية حياتهم.

أين دور هذه المنظمات ووكالاتها من إصلاح الوضع المتردي في هذه الدول. أين جهود الإغاثة التي تقوم أو يفترض أنها قامت بها قبل أن تتفشى هذه الأزمة وتأكل الأخضر واليابس.

دعوة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - لتدشين حملة ستحقق لكل المحتاجين الأمل في حياة جديدة، ومستقبل أكثر إشراقاً، هي ما كان ينتظره الجميع. الآن وجد المتبرعون الضامن لوصول تبرعاتهم لمستحقيها. وهي فرصة للدعوة لتلبية هذه الدعوة الكريمة من قبل القائد الوالد، ولنقتلع متعاونين هذا البلاء ببذل سخي وعطاء كريم. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما نقصت صدقة من مال". حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وأعز هذا الوطن وزاد أهله من فضله.