تباينت آراء المتحدثين في جلسة تحديث الفكر العربي، واختلفت التوصيفات لواقع الفكر الراهن، وأين تكمن منابع الخلل وما هي الحلول، إذ تناول الكاتب والمفكر رضوان السيد مسألة الاتباع في الدين والثقافة العربية، قائلا "إنه منذ أكثر من قرنٍ يتحدث مستشرقون، ومؤرّخون ومفكّرون عربٌ ومسلمون عن ألف عامٍ من الانحطاط في المجال العربي الإسلامي. وهم يُرجعون ذلك إلى ضرب التيارات العقلية والإبداعية في الحضارة الإسلامية، وإحلال منهجيات اتّباعية وتقليدية في التفكير والتصرف في الدين والدنيا والثقافة والأدب. ويعتبرون أهل السنة، مسؤولين عن ذلك الجمود الناجم عن مُعاداة العقل والمنطق والمواريث الكلاسيكية، والانغلاق على الذات".
وأضاف السيّد "إنّ المجال لا يتّسع للردّ على هذا الطرح"، ملاحظاً أن النهج الاتّباعيّ في فهم أصول الدين وفروعه يعتبر أنّ المشروعية الدينية لا تتحقق إلاّ بالعودة الدائمة إلى الأصول، وأنه أسهم في تكون السنة، لكنه ما استطاع السيطرة في أوساطهم لا في الفقه ولا في علم الكلام، خالصاً إلى أنه لا علاقة للأُصوليات الحديثة والمعاصرة في أوساط المسلمين بالاتّباع الحديثي أو السلفي أو الأشعري القديم، فهي حركاتٌ حديثةٌ نشأت في ظروف الحداثة، وإنما تستخدم مصطلحاتٍ ورموزاً إسلاميةً قديمة، لتُكسِبَ نفسها المشروعية، أو لتغطّي على أهدافها وهويتها الحقيقية.
من جهته، اعتبر أستاذ الفلسفة بجامعة نواكشوط في موريتانيا الدكتور السيد ولد أباه أن الإشكاليات الراهنة شكلت المهاد النظري للفكر الإصلاحي العربي الحديث الذي يهيمن على السياق الثقافي العربي الراهن، مشيراً إلى مستويات ثلاثة لهذه الإشكالية هي المسألة التراثية والإصلاح الديني والأفق التحديثي.
وأوضح السيد أن الإشكالية التراثية تحولت في العقدين الماضيين إلى إشكالية محورية في الفكر العربي المعاصر، انطلاقا من حسين مروة وطيب تزيني اللذين كانا سباقين في مشروعيهما لقراءة التراث العربي الإسلامي من منطلقات ماركسية تقليدية، وقد تلا هذين المفكرين أربعة مفكرين بارزين هم المغربي محمد عابد الجابري، والجزائري محمد أركون، والمصريان حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد، متابعاً أنه رغم الاختلاف الجلي بين هؤلاء الأعلام، من حيث الرؤية والمنهج، إلا أن ما يجمعهم هو هذا التصور للتقليد العربي الإسلامي - الوسيط بصفته "تراثا" يتعين علينا تحديد الصلة به في وضعنا الراهن، مشيرا إلى أن حركة النهوض الحالية في اليابان والهند تقومان على حركية فلسفية رصينة وأدبية خصبة، وليس على مجرد التوسع التقني والإنتاج الصناعي، متابعاً أن ما نلمسه بوضوح في ساحتنا العربية هو أن التكوين العلمي لا يحمي شبابنا من التطرف والظلامية، فالمتطرفون الانتحاريون الذين فجروا أنفسهم كانوا في مجملهم من خريجي الكليات العلمية والتقنية.
وخلص ولد أباه من هذه المعطيات إلى أنه لا نهوض ولا تحديث دون أفق فكري وقيم إنسانية دافعة، ومن شأن الأديب والفيلسوف والمفكر الاجتماعي صياغة ونشر هذا القيم وليس العالم الطبيعي أو التقني المالي.
وتحدثت الكاتبة والأستاذة الجامعية في علم النفس منى فياض حول مسألة "تحديات الإبداع عند المرأة العربية: بين المعوقات الجندرية والواقع العربي المعوّق" قائلة "إنه في عام 1927 كانت فيرجينيا وولف أول من تنبه إلى مسألة مهمة وأساسية بالنسبة لموضوع الإبداع عند النساء وكتبت كتاباً بعنوان "غرفة تخص المرء وحده"، وهو يعد أول بيان نسوي متبلور في مسيرة الدفاع عن حقوق المرأة، وتشير فيه إلى ضرورة توفر حد أدنى من المقومات المادية "غرفة ومردود مادي" التي تساعد المرء، على الإنتاج الفكري أو الإبداعي سواء أكان ثقافياً أم غير ذلك، ما يعني الاستقلالية التي نادراً ما تمتعت بها النساء عبر التاريخ.
وتشير فياض إلى أن وضع المرأة في البلاد العربية لم يتحسن إلى الدرجة التي نأملها عما كان عليه الوضع عندما كتبت وولف كتابها، لكن تجدر الإشارة بداية إلى أن شروط الإبداع العامة والتي تتخطى الفرد والجندر/ النوع الاجتماعي كي تشمل المجتمع ككل غير متوفرة عموماً في بلادنا. وإذا كانت المرأة، كفرد، تحتاج إلى غرفة وعمل (وتعليم بالطبع قبل ذلك)، كي تنتج فكراً أو فناً أو أي شيء آخر فإن الإبداع كما يرى ألفريد كرويبرليس مجرد موهبة شخصية: "إن العبقرية الفردية ليست لها أدنى قيمة تفسيرية عندما نناقش الإبداع". وبيّن ألفريد من أجل التدليل على قضيته، أن ما يسمى بالعبقرية المبدعة ليست موزعة بشكل عشوائي عبر التاريخ، ولكنها تتجمع بدلاً من ذلك على هيئة تشكيلات.
وقال الكاتب والإعلامي محمد الرميحي "إن حاضرنا ينظر إلى الخلف، ولا يقود إلى غدٍ أفضل، مشيراً إلى عدم توفر أمان فكري، فبعض الصراعات الحالية تعود جذورها إلى قرون، ولا تزال تقسيمات الماضي تلح على الحاضر، داعياً إلى العودة للفكر وإحياء منظومة فكرية حديثة، داعياً إلى الابتعاد عن التقليد ببعديه التراثي والغربي لأنهما فشلا في مواجهة التحدي، مشيراً إلى حلول ممكنة اقتداء بالنموذجين التركي والإندونيسي، داعياً إلى فهم حركة التاريخ، من حيث العلاقة الجدلية بين الإنسان ومجتمعه.