الصراع الإنساني وإثبات الذات، العنصرية والبحث عن هوية، ملامح أساسية ومضامين تحتويها 38 قصة قصيرة تلاحمت وتشابكت خيوطها داخل غلاف واحد واسم واحد "نساء فينكس" وهو أحدث مجموعة قصصية صدرت هذا الأسبوع للكاتبة الهولندية الشابة المغربية الأصل نعيمة البزاز.

و"فينكس" الذي تحمل المجموعة اسمه بجانب كلمة نساء، هو اسم حي هولندي يضج بالأجانب من جنسيات مختلفة، يعيشون جنبا إلى جنب مع الهولنديين، تطحنهم مشكلاتهم الخاصة في حياة مادية سريعة متواترة الأحداث، جامدة في معظمها حتى إن استلهم أصحابها روح الحركة والحياة من أجل الاحتمال ومواجهة القمع الذاتي، وهناك مشكلات أيضا مع بعضهم البعض، ولكن حين يطفو على السطح خطر عام، تتشابك بعض الأيدي لدرء هذا الخطر، كانتشار تدخين المخدرات أو زراعة القنب المخدر، أو انتشار العنف والجريمة، التطرف كظهور شبان مسلمين يوزعون المنشورات، وتأتي سطور المجموعة فى أسلوب فضفاض جذاب يشدك للانتهاء منها في جلسة واحدة.

تأتي الأقصوصات في قالب حاولت نعيمة أن يكون كوميديا، ولكنه جاء دراميا، وفي بعضه مأساويا لما يحمله من معان إنسانية بعضها قد يبدو مسطحا، ولكنه يحمل في أعماقة الكثير من المشاعر، فالحي يتصارع في سكانه وحتى أبنيته بين القديم والحداثة ، فهناك هياكل سكنية حديثة تقام بجانب قديمة عتيقة، ولكن بين هذا وذاك يتولد الكدر والروتين في الحياة العامة، كما تتوالد التناقضات بين الثقافات والأديان المختلفة، فهناك الابنة البكر لأسرة مسيحية متدينة، تذهب البنت لمدرسة مسيحية وتظل طيلة الوقت تغني أغاني تراتيل الكنيسة وجارتهم أسرة مسلمة، الجدة حجت لبيت الله، وتلزم حفيدها على الدعاء وأداء الصلاة قبل تناول الطعام، إلا أن الطفل يتمرد على أوامر الجدة.. وهكذا يسير نسق القصص فى تناقض إنساني، تناقض يظهر حتى الفارق بين تجعيدة الشعر التركي، والشعر المغربي، رغم كون الاثنين مجعدين.

ومن يقرأ المجموعة سيجد نفسه يضحك حينا، ولكن في نهايتها عليه أن يقف كثيرا ليتأمل، كيف تعاني نساء حي فينكس على حد سواء أيا كانت جنسياتهن، ومن بينهن السيدة المغربية ذات البشرة البيضاء، التي تواجه مواقف مضحكة أو درامية مع جيرانها، وعليك أن تكتشف بنفسك، أن بعضا من الهولنديين يفرقون حتى فى نوعية القمامة بدافع عنصري، فالقمامة المتخلفة من بيت أجانب سود رائحتها كريهة، أما القمامة البيضاء من بيت أبيض فهي لا تحمل ذات الرائحة الكريهة.

وتعد نعيمة الباز من كتاب الجيل الجديد الهولنديين المغاربة، ولدت فى مكناس بالمغرب عام 1974، وهاجرت مع أسرتها لهولندا عندما كان عمرها أربع سنوات، عندما أنهت تعليمها الجامعي اتجهت إلى الكتابة القصصية باللغة الهولندية، وكان أول إصداراتها رواية الطريق إلى الشمال عام 1995، عشيقة من الشيطان عام 99، المنبوذة 2006، سعادة متلازمة 2008 ، ثم أخيرا مجموعتها القصصية نساء فينكس ، وتثير كتابتها كثيرا من الجدل بين الجاليات العربية والإسلامية لجرأتها، ولأنها تخترق تابو المشاكل خلف الأبواب المغلقة في المجتمعات العربية والإسلامية.