بجدارة مستحقة، فازت جامعة الملك سعود بوعد أشرف الأنبياء والمرسلين: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا"، وحققت أحلام أفضل الشعراء المخضرمين: "ومن تكن العلياء همة نفسه، فكل الذي يلقاه فيها محبب".
قبل أيام احتفلنا مع جامعة الملك سعود بصعودها "العلياء" وتخطيها المركز 261 كأفضل جامعة في العالم خلال عام 2010 طبقاً لتصنيف "شنغهاي" الدولي للجامعات، وذلك بعد تفوقها على كافة الجامعات العربية والإسلامية في إنجاز تاريخي غير مسبوق. وجاءت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المرتبة 400، بينما حازت جامعة القاهرة على المركز 500.
بهذا التصنيف الدولي، عززت جامعة الملك سعود صدارتها التي حققتها في التصنيفات الأخرى على مستوى العالمين العربي والإسلامي، حيث سبق أن فازت بالمركز الأول عربياً وإسلامياً في تصنيف "ويبومتركس" الإسباني وتصنيف "كيو إس تايمز" البريطاني.
هذه التصنيفات الدولية المرموقة منحت جامعة الملك سعود اعترافاً دولياً موثقاً لتميز معاييرها الأكاديمية، وأعطت دول العالم مدلولاً راسخاً على مدى التطور والتقدم الذي يشهده قطاع التعليم العالي بالمملكة.
قبل 10 سنوات قامت جامعة "شنغهاي جياو تانج" الصينية بابتكار هذا التصنيف الشهير بهدف معرفة الفجوة بين مستوى الجامعات الصينية ونظيراتها العالمية. وتم الإعلان عن بد العمل به، ونشرت نتائجه للمرة الأولى في عام 2003، حيث لاقى صدىً عالمياً مميزاً ومتنامياً وأصبح اليوم من أكثر التصنيفات العلمية للجامعات قوة وشهرة واحتراماً.
ولكونه الأرقى والأصعب والأكثر انتشاراً وقبولاً بين جامعات العالم، يحظى تصنيف "شنغهاي" بمكانة دولية مرموقة ومتميزة في الأوساط الأكاديمية العالمية، وذلك لتطبيقه القواعد الدقيقة والأحكام الصارمة التي تحكم قراراته بموضوعية ودقة متناهية، حيث ينفرد تصنيف "شنغهاي" لدى تصنيفه الجامعات العالمية بتطبيق المعايير القطعية التالية:
أولاً: جودة التعليم، التي تأتي في مقدمة هذه المعايير وتقاس بعدد خريجي الجامعة الحاصلين على جوائز عالمية مرموقة مثل جائزة "نوبل". ويمثل هذا المعيار نسبة 10% من إجمالي التقييم.
ثانياً: جودة أعضاء الهيئة التدريسية، التي تأتي في المقام الثاني، وتقاس بعدد المدَّرسين الحاصلين على شهادات علمية مميزة دولياً. ويمثل هذا المعيار نسبة 20% من إجمالي التقييم.
ثالثاً: حجم البحوث المنجزة من قبل المدرسين والطلبة في الجامعة، الذي يقاس بعدد البحوث المنشورة في مجلات علمية دولية محكَّمة في العلوم الطبيعية، والبحوث المسجلة في فهارس العلوم الطبيعية والاجتماعية. ويشكل هذا المعيار نسبة 20% من التقييم.
رابعاً: الاستشهاد بالبحوث العلمية المنشورة من قبل العاملين في الجامعة، الذي يقاس بعدد مرات اقتباس الباحثين الآخرين للمعلومات القيمة من هذه البحوث، ويشكل هذا المعيار نسبة 20% من التقييم.
خامساً: عدد بحوث الجامعة الواردة في المراجع العلمية المرموقة، والذي يتمثل بنسبة عدد البحوث مقارنة بأعداد العاملين بالجامعة. ويشكل هذا المعيار نسبة 20% من التقييم.
سادساً: قيمة الجامعة العلمية، التي تتحكم بمقياس الأداء الأكاديمي للجامعة مقارنة بحجمها وعدد أعضاء هيئتها التدريسية وأعداد طلابها. ويشكل هذا المعيار نسبة 10% من التقييم.
كما تعتمد منهجية تصنيف "شنغهاي" على تنفيذ الخطوات المحددة التالية:
الخطوة الأولى: حصر جميع الجامعات والمعاهد العلمية التي فاز أحد منسوبيها بجوائز علمية مرموقة، وكذلك الجامعات التي يتم الاستشهاد بنتائج أبحاثها بشكل مكثف، أو التي يتم نشر أبحاث منسوبيها في مجلات علمية مرموقة مثل مجلة "ساينس" المشهورة أو المرجع العلمي المعروف باسم "نيتشر".
الخطوة الثانية: حصر الجامعات الرئيسية في كل دولة التي يتم الاستشهاد بأبحاث منسوبيها في فهرس الاستشهاد العلمي الموسع، أو فهرس الاستشهاد العلمي للعلوم الاجتماعية.
الخطوة الثالثة: تطبيق المعايير القطعية المذكورة على الجامعات لاختيار أفضل 2000 جامعة حول العالم، يتم التصنيف الفعلي لنصفها ومن ثم يقع الاختيار على أفضل 500 جامعة منها فقط.
بقي أن نعترف بأن في قريتنا الكونية اليوم 57 دولة إسلامية، لم تُصَّنف أيّ منها بالدولة المتقدمة، بل أغلبها في مصاف الدول الأقل نمواً وبعضها من الدول النامية. يقطنها 1700 مليون مسلم، يشكلون ربع سكان المعمورة، نصفهم يعيش تحت وطأة الفقر، وربعهم يعاني من الجهل، وثلثهم يرزح تحت عبء البطالة. معظم (خبرائهم) هجروا الديار وجُّل (علمائهم) يغطون في سُبات عميق. ولماذا نستغرب، وجامعات العالم الإسلامي لا تزيد عن 500 جامعة بينما يفوق عددها 5700 في أميركا و8400 في الهند؟! ولماذا نستعجب وعلماؤنا في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء تدنت نسبتهم إلى 3 علماء من بين كل 10,000 مسلم بينما تزيد عن أربعين ضعفاً في أوروبا وخمسين ضعفاً في اليابان؟!
لكي نتبوأ المكانة العالمية المرموقة التي نستحقها ونسعى من أجلها، نحن اليوم نتطلع لنجاح كافة جامعاتنا الأخرى العريقة لتنافس جامعة الملك سعود على المراتب المتقدمة في التصنيفات الدولية. بل نحن اليوم في أمس الحاجة إلى جامعات مثل جامعة الملك سعود، تؤمن بعمق الثقافة وتتحلى برونق الكفاءة، مشهورة بالعلم والفكر والمعرفة. وهل نرضى بأقل من ذلك، ونحن من بدأت عقيدته بكلمة "اقرأ" وتوحدت شعوبه تحت راية "السلام" وأثرت عقول أجداده علوم الطب والجبر والفلك والهندسة؟
علينا أن نقتنع بأن مفهوم "العلياء" في جامعة الملك سعود جاء نابعاً من قناعة كل مسؤول فيها بضرورة بذل المزيد من الجهد والعطا،ء لرفع اسم وطننا دولياً وإظهار جامعاتنا بمظهر مشرِّفٍ عالميا.