إذا توافرت الشجاعة والكرم وبُعد النظر والمصداقية في قائدٍ ما؛ فإنَّه حتمًا سيحظى بالتقدير والاحترام والولاء، أمَّا إذا توافر لهذا القائد بجانبها، التسامح والقلب العطوف ونكران الذات والعدل في القول والعمل؛ فإنَّه ينتقل بالقيادة إلى مرحلةٍ أبعد من أن تُقاس أو تُدرس أو تُفسر، مرحلةٍ إلى الرشد أقرب، مرحلةِ تأسيسِ الزمنِ الحقيقيٍّ للتاريخ وصناعته.
والزمنُ الحقيقيُّ للتاريخ هو المستقبل، ومن أراد أن يتأكد من ذلك فليراقب ساعة مكة، أعلى ساعةٍ في الكرة الأرضيَّة؛ ليعرف أنَّ عقاربها لا تتجه للخلف، ولا تقف في مكانها، بل هي في حركةٍ متناغمةٍ مستمرةٍ باتجاه المستقبل: المستقبل الذي يعدنا به القائد عبدالله بن عبدالعزيز، مستقبلٌ بدأت تظهر مؤشراته عندما: ابتَعَثَ الآلافَ للدراساتِ العليا، وأنشأ الجامعاتِ النوعية، وتجاوزَ في منجزاته التنموية والإنسانية (برؤية القائد الذي يتطلع إلى مستقبل أمته) معجزاتِ الأرقام إلى تحقيق الأحلام.
إنَّه المستقبل الذي يؤسس لأكبر توسعةٍ للحرمِ المكيِّ الشريف عبرَ التاريخ؛ لتُسجَّل بفخرٍ في سجلِّ العهد السعوديِّ الزاهر، تحتَ قيادةِ هذا الملك (الأب) الذي أهداها لشعبه (الأبي) وأمته المسلمة؛ لكي ننتقل بخدمة ضيوف بيوت الله في الحرم والمشاعر والجمرات وفي زمزم وفي الأوقاف مسافاتٍ أكثرَ دقَّةٍ في التنظيم، وأكثرَ جمالا في البناء والتصميم، وأكثرَ راحةٍ للضيف؛ لنحصلَ على جودة الخدمة وراحة الحاجِّ والمعتمر: هذه الخدمة التي ننال بها شرف الانتماء لهذا المكان المقدَّس مواطنينَ سعوديين، ويعتزُّ ويُلقَّبُ بها قائدنا خادم الحرمين الشريفين.
إنَّه المستقبل الذي تُزرع في أرض الحاضر بذورُ آماله، وتلوح في أُفق البِشر بشائره، فهو في الداخل أملٌ وبِشرٌ ورخاءٌ وتنميةٌ، وهو في الخارج سكينةٌ وراحةٌ وطمانينةٌ وثقةٌ من المسلمين في من يقوم على خدمة مقدساتهم، وهو شعورٌ بالاعتزاز، لكلِّ الذين عملوا بإخلاصٍ في زمن عبدالله بن عبدالعزيز، شعورٌ أكبرُ من أن يُسجَّل في مقالةٍ أو كتابٍ، وهو فخرٌ لكلِّ مسلمٍ يرى أنَّ للدينِ دولةً، وللشرعِ حماةً، وللحرمينِ خُدَّامًا كرامًا.
تتويت:
القادة الحقيقيون هم الذين يؤسسون مستقبلا أفضلَ لشعوبهم ولأممهم، فإنجازات القادة لا تُقاس في الحاضر، بل في المستقبل، ولا يُسجِّلها التاريخ قبل أن يرويها له المستقبل؛ لا لتحكى بل لتستمر. ومن أراد أن يتأكد من ذلك فليلقِ نظرةً إلى أعلى (وقف الملك المؤسس) رحمه الله.