الوصول إلى الفقراء والمحتاجين الحقيقيين مسؤولية اجتماعية ينبغي ألا نقبل فيها أي حجة، مهما كانت صعوبتها وكثرة العراقيل التي تواجه القائمين على العمل الخيري، فهناك الكثير من الفقراء الذين لا يسألون الناس إلحافا تحسبهم أغنياء من التعفف. هؤلاء يجب أن نحفظ لهم كرامتهم ونقّدر حياءهم، وهو ما يسعى إليه القائمون على العمل الخيري في المملكة العربية السعودية، وعلى رأسهم رائد العمل الخيري صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز. هؤلاء لن يطرقوا أبواب المنازل، ولن يقتحموا شاحنات التوزيع العيني، ولن يزاحموا الناس في الجمعيات الخيرية، مروءتهم تمنعهم من طلب المساعدة. فلن نسمع أصوات النساء الفقيرات تقتحم جموعا من الرجال لتخبرهم أنها فقيرة محتاجة ويجب ألا تفعل ذلك.

مشكلة الوصول إلى الفقراء المتعففين وتسليم الصدقة أو المساعدة للفقير والمحتاج الحقيقي مشكلة قائمة وليست مقصورة على مجتمعنا، وحظيت بالعديد من الدراسات والبحوث في مجتمعات أخرى، وتشير دراسة من البنك الدولي إلى أن 66 % من أموال الدعم والمساعدات العينية في الدول النامية تصل لغير المستحقين، وربما تزداد هذه النسبة في بعض الدول تبعا لبعض العوامل الجغرافية والثقافية والاقتصادية، وتزداد الصعوبة بالنسبة للمساعدات العينية بشكل خاص، مما اضطر بعض الدول إلى الوصول إلى قناعة بإلغاء هذا النوع من المساعدات والاكتفاء بالمساعدات النقدية، وذلك بسبب كثرة المشكلات والصعوبات المرتبطة بالمساعدات العينية، يأتي ذلك على الرغم من الجدل الكبير في هذا المجال، حيث إن المساعدات العينية دائما تحتاج إلى جهود كبيرة وتخطيط جيد وهو ما يلاحظ غيابة في الدول والمجتمعات النامية. أما المساعدات النقدية فيؤخذ عليها عدم توجيهها للاحتياج الأساسي للأسرة بشكل مباشر، وقد يتم استخدامها في مجالات ليست من الضروريات أو يستأثر بها أحد أفراد الأسرة وربما يساء استخدامها والتصرف فيها.

أكثر ما يواجه العمل الخيري في المجتمع السعودي هو صعوبة الوصول إلى الفقراء المستحقين للزكاة والصدقة والمساعدات، فضلا عن غياب المعلومات الدقيقة عن بعض الفقراء والمساكين والمحتاجين، وهذا من شأنه أن يفتح الباب للاجتهادات والتقديرات الشخصية، واستخدام المعايير الخاصة والرؤى الفردية التي مهما حاول أصحابها التجرد وتحري الدقة والموضوعية فإنهم لن ينجحوا في الوصول إلى بعض الفقراء. وقد يتم اللجوء إلى الاعتماد على تزكية أئمة المساجد وبعض الأشخاص المعروفين، حيث كان من السهل في الماضي معرفة الفقراء في الحارات والأحياء القريبة منهم، أما الآن وبعد التطور الحاصل في المجتمعات والتوسع العمراني الكبير وزيادة عدد السكان والهجرة المستمرة فإنه لن يكون بمقدورهم المعرفة الحقيقية للفئات المستحقة وتحديد الفئات المستهدفة بشكل دقيق. ولذلك فإن إيجاد قاعدة بيانات وطنية موحدة في هذا المجال أصبح أمرا حتميا، خصوصا في ظل التقدم التقني والمعلوماتي الذي نعيشه اليوم، حيث إنه بالإمكان البدء في حصر وتسجيل جميع الفقراء، وذلك من خلال الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي، وذلك باستخدام السجل المدني، أما بالنسبة للفقراء الذين لا يملكون سجلات مدنية أو غير سعوديين فيمكن اللجوء إلى وسائل إثبات أخرى حتى لو أقتضى الأمر استخدام البصمة. ومن خلال هذا النظام يمكن القضاء على الازدواجية والتكرار والحصول على أكثر من خدمة وفي أكثر من مكان، حيث يلاحظ أن هناك أشخاصا يستفيدون من أكثر من جمعية في الوقت الذي قد يكون هناك من لم يستفد نهائيا، والسبب في ذلك أن كل جمعية لها سجل معلومات خاص بها. السياسات الاجتماعية لن يكتب لها النجاح ما لم تحصل من الجهات المختصة على معلومات ديموغرافية ومؤشرات اقتصادية يمكن من خلالها تحديد الفئات المستحقة، وهو أمر لا يزال غير متوفر في المملكة العربية السعودية بشكل دقيق، فحتى هذه اللحظة لا يوجد خط واضح للفقر، ولا توجد أرقام دقيقة عن دخل الفرد الحقيقي، ودخل الأسرة الحقيقي، حيث إن هناك خلطا كبيرا في هذا المجال، وليست هناك معلومات حديثة عن مستوى المعيشة والتضخم، ومن الطبيعي أن غياب هذه المؤشرات من شأنه أن يجعل الحكم على الشخص أو الأسرة بالفقر أمرا غير دقيق.

وقد لا نحتاج إلى الكثير من الأدلة من أجل توجيه جزء من اللوم إلى عشوائية بعض المواطنين في استلام التبرعات وعدم اتباع التعليمات وإعطاء معلومات غير حقيقية، وتجمع غير المحتاجين عند مراكز المساعدة، ومحاصرة شاحنات المعونات وإثارة البلبلة، يضاف إلى ذلك انتشار ثقافة "الحق من الدولة" التي يبرر بها بعضهم حصوله على مثل هذه المساعدات واللجوء إلى الكذب في سبيل تبرير الحصول على هذه المساعدات.