نتابع في رمضان مسلسل "الحسن والحسين" الذي فجر حوارا بين العديد من المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وإن نحى ببعضهم إلى التعصب والتطرف نتيجة العجز المعرفي لا الغيرة الدينية كما يحسبونها، خاصة أن المسلسل يعيش مدا وجزرا بين القبول والرفض، ولن أتحدث عنه، إنما عمّا فتحه من باب للحوار الذي نحتاجه كونه أول أبواب المعرفة، إذ يُحرض على طرح الأسئلة وبالتالي الفضول الذي يُحول البحث والمعرفة إلى حاجة غريزية ملحة للاشباع، وهكذا تُصبح من أهم دوافع التفكير العقلي، خاصة حين تتعلق المعرفة بالأيديولوجية، والمسلسل يفتح أمام المتلقي باب حقبة زمنية تشكلت خلالها المذاهب الإسلامية على اختلافها، تلك الأحداث التي عاشها المسلمون في مقتل الخليفة عثمان بن عفان والإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا، إنها حقبة شكلت حاضر المسلمين ومذاهبهم على مر القرون وإلى اليوم، ولكن هناك من غيبها كوصاية، وهناك آخرون حرّفوها في أذهان العامة خوف الحقيقة، وفي كلا العملين تمّ تجميد المعرفة التاريخية بحجة أنها أمة قد خلت من قبلنا، وهذا التبرير بدوره حرض على تفاقم الكسل المعرفي عند الكثيرين بالاتكال على الثقافة السماعية، ولذلك تكاثر حولنا اليوم سوق الدعاة الحفظة لكتب التراث واتخذوا مساحات إعلامية، لا ليدعونا للتفكر والتدبر الذي دعانا له الله ونبيه، بل ليجمدوا عقولنا في "ثلاجة القص واللصق التاريخي" وفق توجهاتهم الفكرية.

إذا نُبرر كسلنا المعرفي ونجمد فعل القراءة والاطلاع على أهم حدث تاريخي حكم ويحكم المسلمين لليوم، بحجة أن ما حصل بين الصحابة الكرام "الفتنة الكبرى" حصلت في أمة قد خلت، وتعالت الأصوات بعد مسلسل "الحسنين" رافضة عرضه للناس، سواء كانت سنية أم شيعية، في ظل اعتبار ما حصل كان في أمة قد خلت قبلنا! واستشهدوا بقوله تعالى"تلك أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ"، ثم بات العامة يرددونها أيضا بكسل؛ ولم يقرؤوا حتى ما قاله المفسرون فيها؛ إذا تعود كثيرون اجتزاء الآيات الكريمات من سياقها لتبرير مواقفهم، والله تعالى يقول "أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

لقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الأمة المقصودة هي أمة إبراهيم وبنيه، والخطاب بقصد التوبيخ لليهود والنصارى، إذ جاؤوا المسلمين يجادلون في أفضلية شريعة كل منهم عليهم فنزلت الآية لتخبرهم أن تلك شريعة أمة من أسلافكم قد مضت، لهم أعمالهم وفق شريعة أنبيائهم، ولكم أعمالكم المحاسبون عليها منذ تبليغكم الشريعة الإسلامية، وقد يطول الحديث هنا، وأتساءل بعد ذلك: هل ما حدث بين الصحابة الكرام حصل في أمة سابقة؟! أم في ذات الأمة التي نعيشها لليوم، أليس الكثير من الصحابة والصحابيات ممن عاشوا تلك الفترة هم من يشكلون بأقوالهم ورواياتهم التي نقلوها عن المصطفى عليه السلام؛ جزءا لا يتجزأ من شريعتنا وقناعاتنا الإسلامية اليوم على اختلاف مذاهبنا؟! فإن خلوا قبلنا فكيف ما نزال نحتكم لليوم بما نقلوه لنا؟!