منجزات عبدالله بن عبدالعزيز ضخمة ومتعددة، ومعظمها يمكن إدراجها تحت صفة التاريخية، وعدد كبير منها يحدث لأول مرة في التاريخ كله وفي تاريخ بلادنا على وجه الخصوص، وعلى الرغم من ضخامة هذه المنجزات وتعددها وتنوعها وشموليتها وتاريخيتها وأولويتها إلا أنني أعتقد أنه يمكن اعتبارها سبباً ثانياً أو ثانوياً في عظمَة (أبومتعب).
إن السبب الرئيس أو السر الأهم في عظمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز يكمن داخل شخصيته لاخارجها، إنه سبب أو سر يتعلق بمشاعره وأحاسيسه وتفكيره وفهمه للمسؤولية التي اضطلع بها أمام الله أولاً، ثم أمام نفسه وضميره، ثم أمام شعبه والناس أجمعين، والناس لايعلمون الغيب ولايمكنهم الاطلاع على ما تخفي القلوب والعقول، لكن لديهم دلائل وعلامات يسترشدون بها إلى مكامن النفوس، ويستشهدون بها في تقييم الأشخاص، وأول تلك الدلائل وأعظمها على الإطلاق قيمة الصدق، وهذه القيمة العظيمة لها قياساتها الحسية والمعرفية بين الناس، فهم يقولون مثلاً: الكلمة الخارجة من القلب تصل إلى القلب، وهذا مقياس حسي للصدق، فإن أرادوا تأكيد اعتزازهم بشخص صادق قالوا: فلان إذا قال فعل، وهذا مقياس معرفي للصدق، وفيما أعرف وأتصور لا أظن أحداً من مواطني المملكة لاتصل كلمات عبدالله بن عبدالعزيز إلى قلبه، ليس بصدقها فقط بل وبما فيها من عواطف حب وقرب وحميمية، أما أقواله وما يسبقها أو يتلوها من أفعال عظيمة فهي كأدلة معرفية لاتحصى ويعرفها القاصي والداني، ولهذا فحين قال المليك وكرر وكرس وأوصى بأنه (خادم للشعب) لم يكن سوى مُتحدث نيابة عن قلبه وعقله وقناعته وإحساسه، الأمر الذي جعله عظيماً محترماً محبوباً في قلوب وعقول شعبه، وفي عيون الناس الآخرين، لأن عظَمته تنبع من داخله، وتتدفق بأريحية على ما ومن حوله، فيعظم حبه للناس ويتعاظم حبهم له، وتعظم همته وطموحه في خدمتهم، فتتعاظم الإنجازات وتشمخ، وهكذا تتكامل دائرة الحب والصدق بين سريرة المليك وبين ينابيع الخير والبناء التي تنبت وتنمو وتثمر على يديه. إن عبدالله بن عبدالعزيز كما قال ابنه خالد الفيصل :(وشخصك – نُشهد الله والخلق – نادر)، نعم ، نعم، وسيسجل ويشهد التاريخ أن أبا متعب شخص نادر.
النجاح – أي نجاح – له معطياته وأسبابه، ولاشك أن أبا متعب حقق نجاحات باهرة في قيادته الفذة للمملكة، وقد جاءت نجاحاته متوالية تباعاً لتحقق شمولية متميزة في خدمة الوطن والشعب والأمة، وحين تبحث عن أسباب تلك النجاحات ستجد تعليلات عدة، أولها وفرة المال وهذا صحيح؛ لكن المال ليس كل شيء، فهناك من يملكه ولم يفعل، وثاني الأسباب الحاجة، حاجة الشعب والوطن وهذا صحيح، لكن هناك من يرى مثل هذه الحاجة ويعرفها ولا يلبيها، وهناك من سيقول.. ويقول.. لكن الأهم من هذا كله الشعور بالمسؤولية ومعرفة الدور وطبيعة المهمة، وعبدالله بن عبدالعزيز حدد عن قناعة دوره ومهمته في أنه خادم للشعب والأمة، ولهذا سخر المال وتلمس الحاجة ليؤدي دوره كما يجب أن يُؤدى سواء بالنسبة لشعبه، أو لأمته، فاكتسب تلقائياً محبة الناس لشخصه، وتقديرهم لدوره، وتفهمهم لمهمته، واستعدادهم الكبير لدعم جهوده، ومؤازرة أهدافه، والاستجابة لتوجيهاته، والتشوق لإطلالته، والتطلع لقراراته وأوامره، والاعتزاز والتفاخر بإنجازاته، إنجازاته التي توجها بأعظم توسعة في التاريخ للحرم المكي الشريف، وما سبقها وما يتزامن معها من منجزات غير مسبوقة في الحرمين والمشاعر المقدسة وفي مكة المكرمة، ومعها أكبر وقف إسلامي في التاريخ، وساعة مكة المكرمة، هذه الساعة التي لن يطول الوقت حتى نجد العالم كله يضبط توقيته عليها، بصفتها إضافة نوعية عالمية لها أبعادها التي لا تتوقف عند مواقيت الصلاة على الرغم من أهميتها العظمى، بل تتجاوزها إلى مواقيت حياتية متنوعة، هذا فضلاً عن أن التاريخ ضبط عقارب ساعته منذ لحظات التدشين التاريخية مساء أول أمس ليثبت (إنجازات الصدق والحب)عنواناً لـ(زمن أبومتعب).