شخص موتور، تمر دسائس من حوله ولا يعرف شيئا عنها، وقد يساهم ببعضها من حيث يدري أو لا يدري. يقوم بتغيير مسار القضايا الجنائية وغير الجنائية مقابل بضع ليرات، يُدخل المواطنين إلى السجن تعسفيا ويخرجهم إن دفعوا له.. أصبح رمزا للفساد والرشوة والممارسات غير القانونية، كل ذلك يحدث عبر افتعال في الحركات التمثيلية لاستجداء الضحك بطريقة لم تعد مقبولة في عمل درامي جاد. هكذا أصبحت شخصية رئيس المخفر في مسلسلات البيئة الشامية، بعد أن كانت رزينة وقورة تؤدي مهامها بصورة لائقة في مسلسلات مقاربة بالمحتوى مثل "ليالي الصالحية" و"أيام شامية" التي سبقت أجزاء "باب الحارة" و"الدبور".
في "باب الحارة" يظهر رئيس المخفر "أبو جودت" الذي يقوم بدوره زهير رمضان شخصية خارجة عن سياق العمل، ولكن ربما ضرورة العمل لخلق أجواء مناسبة للمكائد أو مزاج الممثل في اختراع "كاركتر" خاص به من أسباب تقمص الحالة "النشاز" المشار إليها، لكن ما حدث في شخصيتي الممثلين زهير عبدالكريم ونزار أبو حجر وهما يؤديان شخصية رئيس المخفر "أبو رسمي" في الجزء الأول من مسلسل "الدبور" وكذلك الثاني الذي يعرض حاليا ليس إلا تقليداً لشخصية رئيس المخفر في "باب الحارة" ومسخا مشوها عنه.
وتأتي التساؤلات: هل رئيس المخفر صار شخصية لا بد منها في مسلسلات البيئة الشامية؟ وإن اضطر كاتب النص لرئيس مخفر، فهل خياره الوحيد أن يجعل الشخصية "مسخرة"؟ وهل تميزها بالفساد والرشوة و"خفة العقل" انعكاس من الواقع على الأعمال الفنية؟
وعلى أرض الواقع يتندر الناس منذ فترة طويلة في سوريا ـ حيث مثلوا المسلسل ـ على الرشوة عند الشرطي ورئيس المخفر، فهل انحراف مسار الشخصية جاء متعمدا لتصوير شيء من الحقيقة مع "بهارات" كوميدية للتمويه؟ والأكيد أن الراحل محمد الماغوط كان يقصد ما كتبه حين وضع جملة في إحدى مسرحياته يعدُ من خلالها دريد لحام ممثلا بأن يكافئه بتعيينه شرطيا على "المقص" بالرقة. وهذه الجملة يفهمها أهل المكان جيدا، وحينها كانت تعني ما تعنيه من "لهف" من غير حساب.. ومن غير محاسبة أيضا.