كرة ثلج جديدة بدأت في التشكل كما بدا واضحا في حركة أسواق المال العالمية على مدى اليومين الماضيين. ولكن الآليات التي استخدمت سابقا وستستخدم لاحقا بسبب عدم وجود خيارات أخرى لن تحل المشكلة هذه المرة، بل قد تزيدها تعقيدا. بداية الذعر كانت مع تفاقم مشكلات ديون منطقة اليورو، والذي تبعه إيقاف عدد من الدول، منها فرنسا وإيطاليا، للبيع على المكشوف في أسواقها لكبح جماح الهبوط المتوقع. وتبع ذلك انخفاض مفاجئ في الناتج الصناعي الألماني، ثم جاء تقرير مورجان ستانلي، الذي خفض فيه توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 4.2% إلى 3.8%. ولم يبق أمام الاقتصاد العالمي من حل إلا معجزة انقلاب وضع الاقتصاد الأميركي إلى الأفضل، وخصوصا بعدما أظهر ثباتا نوعيا إثر تخفيض وكالة إس آند بي للتقييم الائتماني للدين العام الأميركي. فقد تمكن الداو جونز من تعويض معظم خسائره وازداد التدافع على شراء سندات الخزينة الأميركية.

إلا أن المشكلة تكمن في أن الاقتصاد الأميركي لم يظهر أي بوادر للتحسن عقب انتهاء موجة التخفيف الكمي الثانية، أو موجة طبع الدولارات الثانية. فمعدل البطالة ما زال مستقرا عند 9% وأسعار المنازل تراوح مكانها. والمؤشر الأخطر هو ظهور علامات على ارتفاع التضخم دون أي إشارة واضحة لنمو قوي. ففي تقرير آخر لسيتي جروب، خفضت توقعات النمو الأميركي لهذه السنة والسنوات الثلاث المقبلة. ولهذا اخترق الذهب أعلى قممه وارتفع الدولار بشكل محدود وخسر النفط بشكل كبير.

مكمن الخطورة هو أن القطاع المالي، وهو محرك الاقتصادات الكبرى، كان أكثر المتضررين من ضربات أسواق المال. فالتوقعات تشير إلى المزيد من الضوابط والمتطلبات المالية المقيدة للإقراض. وبالتالي لا يمكن الاعتماد على القطاع الخاص لحل هذه المشكلة. أما بالنسبة للحلول الحكومية المتاحة، فإنها باتت محدودة جدا. فعلى الرغم من ارتفاع التضخم في أميركا، إلا أن الاحتياطي الفيدرالي يؤكد استمرار الفائدة الصفرية حتى عام 2013، بالإضافة بوادر إقرار خطة تخفيف كمي ثالثة. فالمخاوف من وقوع الاقتصاد العالمي في فخ الركود المزدوج في تزايد مستمر.

انخفاض الأسواق العالمية سيجر السوق السعودية معه خصوصا مع ضعف السيولة في رمضان، أما انخفاض أسعار النفط، فلن يكون لها أثر كبير على الاقتصاد السعودي، الخوف الأكبر هو أن يؤدي التخفيف الكمي الثالث إلى مزيد من التضخم في أنحاء العالم كافة، وخصوصا المرتبط منه بالدولار. فقدرة الصين، وهي المصدر الأساس لمعظم السلع الاستهلاكية في السعودية والعالم، على مواجهة التضخم باتت موضع شك بسبب المتغيرات الاقتصادية العالمية على مدى الأسابيع القليلة الماضية. ولذلك فإن استراتيجيات مواجهة التضخم في المرحلة المقبلة لن تكون ببساطة رفع الرواتب أو دعم السلع، بل ستكون أكثر تعقيدا.