تلقت أجهزة الاستخبارات الغربية مؤخراً صفعة قوية عندما نجح محتال ادعى أنه مسؤول كبير في حركة طالبان في خداع مسؤولين غربيين وأفغان وإقناعهم أنه مخول بالتفاوض باسم الحركة. وكشفت صحيفة " تايمز" البريطانية أن عملاء في جهاز الاستخبارات البريطانية (إم آي 6) دفعوا مئات آلاف الدولارات للطالباني المزيَّف، ونقلت الصحيفة عن مسؤول أفغاني قوله إن أجهزة الاستخبارات البريطانية أبدت سذاجة واضحة عندما صدَّقت أن هذا الرجل هو الملا أختر محمد منصور، الوزير السابق في حكومة طالبان والمساعد الأول للملا عمر. ونسبت الصحيفة إلى الموفد الأميركي السابق إلى قندهار بيل هاريس قوله إن مسؤولية الخطأ لا يتحملها البريطانيون وحدهم، لأن "حماقة من هذا النوع تكون عادة نتيجة عمل جماعي",

وقالت صحيفة " الجارديان" البريطانية إن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) كانت قد تمكَّنت في يناير الماضي من اعتقال الملا محمد أمين الله، أحد قادة طالبان البارزين، لكنها أطلقت سراحه بعد الاتفاق معه على الاتصال بالملا أختر محمد منصور للتفاوض مع الحكومة الأفغانية، لكن ما حدث هو أن كابول حصلت على مفاوض مزيَّف. وقد انكشفت الخدعة في الاجتماع الثالث الذي حضره شخص يعرف الملا منصور جيداً ونبَّه الحاضرين إلى زيف ادعاء المحتال.

وقد نشرت مجلة "فورين بوليسي" في أواخر نوفمبر المنصرم تقريراً ذكرت فيه خمسة حوادث احتيال شهيرة أخرى وقعت في التاريخ الحديث.


1- أرض جريجور ماكريجور


كان المغامر الأسكتلندي جريجور ماكريجور يعرف كيف يثير إعجاب النبلاء الأوروبيين في القرن التاسع عشر، خاصة أولئك الذين يمتلكون أموالاً يريدون استثمارها في الأراضي الأميركية الجديدة. وكان ماكريجور ضابطاً سابقاً خدم في الجيشين الإسباني والبرتغالي، وعاد إلى إنجلترا عام 1820 مدعياً أنه تم تعيينه رئيساً لدولة (بوياس) في أميركا الجنوبية التي نالت استقلالها حديثاً، وأطلق على نفسه لقب (صاحب السمو قازيق بوياس).

ادعى ماكريجور أن بلاده تمتلك موارد كثيرة وأن شعبه من النوع المسالم والودود، وأن كل ما يحتاجه البلد ليزدهر هو الأموال الأوروبية والمستوطنون. وبدأ ماكريجور يبيع امتيازات أراضي بلده المزعوم بسرعة، حتى إنه طبع دليلاً يحتوي تفاصيل عن ثروات بلاده والمؤسسات النامية فيها، لكن المشكلة الوحيدة في هذا الاستثمار هي أن (بوياس) كانت من نسج الخيال، ولم يكن هناك بلد يحمل ذلك الاسم على الإطلاق. وفي 1822-1823، أبحر حوالي 200 من المستوطنين على متن سفن إلى (بوياس) وهم متشوقون للحصول على الأعمال التي وعدوا بها، لكن السفن التي أقلتهم تركتهم على شواطئ غابات غير مأهولة. وعندما تمكَّن الباقون على قيد الحياة في النهاية من العودة إلى بريطانيا، وجهت الحكومة تهمة النصب والاحتيال إلى ماكريجور، لكن ذلك جاء متأخراً، لأنه كان قد فرَّ إلى باريس.





2- سلام جي آر بيلينج المنفصل


ما إن دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى حتى بدأت بريطانيا تحاول تصميم سلام منفصل يضمن خروج الأتراك من تلك الحرب. في خريف عام 1916، قدم شخص اسمه جي آر بيلينج، وهو رجل أعمال أفلس خلال محاولته بناء سكك حديدية في الشرق الأوسط، نفسه كوسيط محتمل. وكان بيلينج صديقاً لوزير الحرب البريطاني دايفيد لويد جورج الذي أصبح فيما بعد رئيساً للوزراء. ومع أن الدبلوماسية البريطانية كانت لديها شكوكها حوله منذ البداية، إلا أن لويد جورج أرسل بيلينج إلى سويسرا لإجراء اتصالات مع وسطاء أتراك. وفي مايو 1917، نقل بيلينج أخباراً سارة إلى لويد جورج بأن الوسيط التركي في سويسرا أبلغه أن العثمانيين كانوا مستعدين للانسحاب من الحرب والتخلي عن العراق ومصر لصالح بريطانيا ضمن اتفاقية سلام. في 9 يونيو من ذلك العام، أعلن بيلينج أنه استلم رسالة من أحد كبار المسؤولين العثمانيين بهذا الخصوص، لكنه رفض إظهار نسخة من تلك الرسالة لأي شخص. وفي نوفمبر، زاد ذلك العرض حيث قال بيلينج إن العثمانيين عرضوا التخلي عن سوريا أيضاً (التي كانت تضم فلسطين) للبريطانيين، لكن فشل بيلينح في إبراز رسالة المسؤول العثماني أثار الشكوك حوله بشكل متزايد في السلك الدبلوماسي البريطاني. في 16 يونيو، طلبت منه الحكومة البريطانية العودة إلى لندن ورفضت تعويضه عن المصاريف التي دفعها أثناء وجوده في سويسرا. ومع تزايد يأس بيلينج، كتب رسالة إلى الملك البريطاني، لكن الأحداث كانت تسير بعكس رغباته. وعندما علم حاييم وايزمان، أحد قادة الحركة الصهيونية في بريطانيا، بمحاولات بيلينج، خشي من أن توقيع اتفاق سلام بريطاني- تركي قد يهدد مخططاته في إقامة دولة يهودية في المنطقة، فأقنع وزارة الخارجية البريطانية بوضع حد نهائي لنشاطات بيلينج.

3- روبرت هنري- فريجارد والجيش الجمهوري الأيرلندي

كان روبرت هنري- فريجارد يعيش حياة شبيهة بشخصية جيمس بوند الأسطورية من حيث ارتداء الملابس الفاخرة وقيادة السيارات الفارهة وغير ذلك، إلا أنه كان يفتقر إلى وظيفة أو عمل حقيقي. ابتداء من 1992، وعلى مدى عقد من الزمن، أقنع روبرت هنري مجموعة من الأشخاص بأنه كان عميلاً سريا للاستخبارات البريطانية (إم آي 5)، التي كانت تتحمل مسؤولية مكافحة الجيش الجمهوري الأيرلندي. ونتيجة لذلك الادعاء، نجح روبرت هنري في ابتزاز حوالي مليون جنيه إسترليني من ضحاياه. وقد بدأت عملية الاحتيال الطويلة في أكتوبر 1992 عندما صادق روبرت مجموعة من الطلاب في مقاطعة شروبشاير غرب إنجلترا. ومع أنه كان يعمل نادلاً في أحد البارات، إلا أنه ادعى أنه كان مكلفاً من شرطة سكوتلانديارد بالتخلص من الطلاب الجامعيين المنتسبين إلى الجيش الجمهوري الأيرلندي في تلك المنطقة.

ومن خلال استغلال مخاوفهم بأن مجموعات الاغتيال كانت على وشك أن تنفذ عملياتها، سيطر روبرت هنري على تحركات الطلاب وأقنعهم وأقنع أهاليهم بدفع مبالغ مالية، كما كلفهم روبرت هنري بالقيام بمهمات غريبة لاختبار ولائهم، مثل طلبه منهم النوم على مقاعد الحدائق العامة أثناء فصل الشتاء أو العيش على الخبز وبعض الشوكولاته لمدة أسبوع كامل. لكن جشع روبرت هنري أودى به في النهاية وتم اعتقاله في مطار هيثرو في لندن من قِبل عناصر شرطة سكوتلانديارد الحقيقيين. وفي 2005، أُدين روبرت هنري بجريمة الاختطاف وحُكم عليه بالسجن المؤبد، لكن محكمة الاستئناف خففت الحكم إلى 9 سنوات على أساس أنه لم يقم بخطف أو احتجاز أي من ضحاياه بشكل قسري.


4- إيران كونترا

في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، التقى مسؤولون أميركيون وإسرائيليون مع تاجر سلاح إيراني يدعى مانوشهر قربانيفار لمناقشة بيع أسلحة إلى إيران التي كانت لا تزال تخوض حرباً طويلة ومدمرة مع العراق، وكان على إيران بالمقابل المساعدة على الإفراج عن سبعة رهائن أمريكيين محتجزين لدى حلفاء إيران في لبنان. وتطور ذلك العرض ليصل إلى ما أصبح يعرف بفضيحة "إيران كونترا"، حيث باعت إسرائيل بموجب ذلك الاتفاق أسلحة متطورة لإيران، وقامت الولايات المتحدة بإعادة تسليح إسرائيل ودفع تكاليف الصفقة، وتم ترتيب وصول الأموال في النهاية إلى حلفاء الولايات المتحدة في نيكاراجوا (الكونترا).

ولكن خلال رحلة هامة إلى إيران قام بها روبرت ماكفرلين، الذي كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي ريجان حينها، أغضب مانوشهر قربانيفار المسؤولين الأميركيين، لأنه كان قد وعد بترتيب اجتماعات مع كبار القادة الإيرانيين لكنه فشل في تحقيق ذلك. وجاءت القشة الأخيرة عندما حاول مانوشهر قربانيفار إقناع ماكفرلين بالعودة إلى أميركا مع اثنين فقط من الرهائن الذين وعد بالمساعدة على إطلاق سراحهما، لكن ماكفرلين رفض ذلك وعاد إلى واشنطن دون الوصول إلى اتفاق. وكانت لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعض الشكوك حول مانوشهر قربانيفار منذ بداية الثمانينات، وتطوَّرت هذه الشكوك مع فشل اتفاق إيران- كونترا في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين. وأصدر مدير الاستخبارات المركزية الأميركية في ذلك الوقت وليام كايسي أوامر بأن يخضع قربانيفار لاختبار الكذب، وفشل الأخير في الاختبار، ومع ذلك استمر كايسي في الاعتماد على خدماته.


5- كعكة النيجر الصفراء

قال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في خطاب عن "حالة الاتحاد" الذي ألقاه في يناير 2003 إن "الحكومة البريطانية علمت أن صدام حسين قد سعى مؤخراً للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من أفريقيا". وكانت المعلومات بأن نظام صدام حسين كان يسعى لشراء "كعكة صفراء"، وهي بودرة يورانيوم يمكن استخدامها لصنع قنبلة نووية، من النيجر تستند إلى سلسلة من الوثائق التي مررتها الاستخبارات الإيطالية إلى الحكومة الأميركية وقيل إنها كانت تحوي تفاصيل مفاوضات بين مسؤولين نيجيريين وعراقيين حول شراء اليورانيوم. وأكدت الاستخبارات البريطانية تلك الاستنتاجات استناداً إلى ما قالت إنه معلومات منفصلة تؤكد حدوث الصفقة. وفي فبراير 2002، أرسلت وكالة الاستخبارات المركزية السفير جوزيف ويلسون، وهو سفير أميركي سابق في نيجيريا، للتحقق من هذه المعلومات. بعد مقابلة مسؤولين ورجال أعمال نيجيريين توصل ويلسون إلى نتيجة أن المعلومات غير صحيحة. وفي مارس 2003، قال محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن الوثائق مزوَّرة على الأرجح، وذكرت تقارير صحفية حينها أن عميلاً سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هو الذي زوَّر الوثائق. وبدأ تراجع المسؤولين الأميركيين في يوليو 2003 عندما قال مدير الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينيت إن الادعاء ما كان يجب أن يدرج في خطاب الرئيس.