لا يخفى على الجميع أن الدراما هي بالأساس نص أدبي يتم إدخاله في آلة الإبداع والتأطير ليصل إلى المتلقي من خلال واحدة من قنوات العرض والتي بدأت بالمسرح وتطورت إلى السينما وصولا للتلفزيون بما تلاه من ثورة الفضائيات التي وصلت ثقافات الكرة الأرضية بعضها ببعض بشكل آني. وقد تطورت الدراما وتشعبت آفاقها وتخصصاتها وأدواتها لتشمل الطفولة والتاريخ والتراجيديا والكوميديا والوثائق والخيال العلمي والمغامرة وخلافها من تخصصات.
نعيش في رمضان من كل عام حالة درامية سعودية نشطة حيث وصلت الأعمال الدرامية السعودية إلى تسعة أعمال هذه السنة، وهذا مؤشر لوجود دراما حقيقية واستعداد للعمل المهني وقبول مجتمعي لهذا النوع من الوسائط الفنية. وإن كان لنا من مأخذ في هذا العام ، فإن الدراما السعودية تشمل عنصرا واحدا من عناصر العمل الدرامي ألا وهو (الكوميديا الاجتماعية). تسعة مسلسلات تطرح هذا، ونرى أننا نظلم المشاهد السعودي أو غير السعودي ألا يشهد إلا هذا العنصر في عروضنا حيث التشابه في الأفكار والممثلين والإنتاج، ونرى أن هذا هو نتاج في تدني المهنية في الإنتاج أو غيابها بشكل عام فالمفترض في العمل الدرامي التنوع ولكن، أضحى الإنتاج الدرامي نمطيا غير مبدع، وحيث شاهد المنتجون نجاح عمل كبير كطاش ما طاش، رغم تميزه بالتنوع، فجاء النسخ منهجا وأدى إلى تكرار النمط. نحن بحاجة إلى التنويع في الإنتاج الدرامي، فالدراما التاريخية والدينية والاجتماعية الجادة وغيرها تنجح وتحظى بحضور ومتابعة كما نشهد في الكثير من الأعمال القادمة من آخرين في رمضان وغير رمضان.
وعندما نتطرق إلى الدراما الخليجية، فإننا نلاحظ وجود إشكالية بدأت في السنوات الأخيرة تغزو المسلسلات، وهي البحث عن مشاكل تكاد تكون نسبتها في دول مجلس التعاون لا تتجاوز 4 أو 5%، أي مشاكل ليست بتلك الأهمية في الشكل الذي يسمح للمنتجين أو المخرجين أو الفنانين إلى حد أن يعطوا لها تلك المساحة من الاهتمام، وأعطت صورة غير حقيقية عن المجتمعات الخليجية.
من المعروف أن الدراما متعتها في المشاهدة وليست متعتها في الأزياء والقصور والجمال و"الموديلز". أصبحت مسلسلاتنا قاصرة بالتشويه، لأننا لسنا كما يطرح أو كما يعتقد البعض، فنحن مجتمعات بسيطة وواضحة ومتواصلة ومترابطة جدا، وليست كما يطرح على أنها مجتمعات ثرية جدا ومتمردة وتبحث عن الهروب من الواقع. نحن ما زلنا ذلك المجتمع المسلم المترابط وهو نفسه الذي عاش قبل ثورة النفط.
فعندما نقدم دراما حقيقية، فلا يمكننا أن نقدمها بهذا التشويه الذي يعتمد على خيال الكتاب، فأنا أشك أن الذين يكتبون عن قضايا الخليج ويحولونها إلى أعمال درامية هم من خارج دول الخليج، ولا يحيطون تماما بواقع تلك الدول ومجتمعاتها، وأكبر دليل على ذلك، المعالجة الواضحة في تلك المسلسلات، فتجد أن المشكلة تستمر لأكثر من 25 حلقة وحلها لا يكون إلا في الحلقات الأخيرة، وهذا ما أعتبره من ضعف المهنية.
أما غياب المؤسسات الثقافية في الوطن العربي، وتهميش الإعلام الدرامي، أدى إلى عدم وجودنا على خارطة الدراما العالمية، والدليل على ذلك غزو الدراما التركية والأميركية والهندية لتلفزيوناتنا، وسبب نجاحهم في بلداننا هو مهنيتهم العالية في صناعة الدراما.
وأقترح أن يكون هناك دور فعال من وزراء الإعلام العرب لمواجهة هذا الزحف الدرامي الخارجي، وبشكل مؤسساتي.
لا بد أن نقول للآخر: نحن نقبلك ونقبل الدراما التي تصدرها إلينا، فلماذا لا تقبل أعمالا عربية تعرض في محطاتك؟!
إن الدولة السعودية هي مشروع تنموي حقيقي فريد من نوعه، وبلادنا تزخر بتاريخ ثري وموروث ثقافي هائل وتنوع اجتماعي بديع ذي هوية واحدة يفتخر ويفاخر بها، فمشروع وطني كهذا لابد أن يعطي للإعلام الكلي أهميته، وتأتي الدراما كواحدة من عناصر هذا الإعلام الذي يساهم بشكل مباشر في طرح هذه الهوية للداخل والخارج بآلية ترقى لأهمية هذا العنصر في مسار التطور.
ونرى أن هناك مسؤولية كبيرة على مؤسسات الدولة المختصة، وبالذات وزارة الثقافة والإعلام، والتعليم العالي، والجامعات بصفة خاصة، لإعطاء هذا القطاع الاهتمام اللائق به وأن يتم النظر إليه ليس فقط كوسيلة لإبراز الهوية الوطنية ومعالجة هموم المجتمع، بل على أنه قطاع اقتصادي هام يمثل وسيلة لتأسيس صناعة وطنية نظرا لتعدد وتشعب التخصصات الداخلة في العمل الدرامي والفني بشكل عام.