بالأمس فقط كان وزير العمل المهندس عادل فقيه على إحدى صفحات هذه الصحيفة يكتب مقالا عن مشكلة البطالة والقطاع الخاص، جاء المقال في الفترة التي باتت فيها وزارة العمل الآن أكثر الوزارات حضورا في المشهد الصحفي والإعلامي السعودي، بسبب ما تقدمه من إجراءات ومواقف تثبت أن ثمة تحولات واسعة تشهدها الوزارة، وأن مشروعا حقيقيا على الأرض من شأنه أن يجعلنا نستوعب أولا معادلة البطالة في الحياة السعودية، وأن يقدم مختلف الإجراءات التي تجعل منها – على الأقل – معادلة قابلة للحل. ينتمي الوزير عادل فقيه إلى الجيل الجديد من الوزراء الذين انتدبهم الملك على جبهات التنمية المشتعلة بملفات بالغة التعقيد، في مرحلة لا مكان فيها للعمل بالمفهوم البيروقراطي الجامد الذي يركن إلى الأداء النظري أكثر من الميداني، واستطاع هذا الجيل من الوزراء أن يتحولوا إلى رؤساء تنفيذيين في وزاراتهم أكثر من كونهم عناصر شرفية فقط، وانشغل الناس بما تقدمه وزاراتهم، في الوقت الذي فتحوا فيه الباب لمختلف الشرائح الاجتماعية للتداول والنقاش حول مختلف القرارات والإجراءات. وما يحدث الآن في وزارات العمل والإعلام والعدل وغيرها دليل واضح على أن ثمة وعيا جديدا لدى النخبة الوزارية السعودية. تتحرك وزارة العمل الآن وفق مستويين: المستوى التنظيمي والإداري الذي قدم عدة منتجات إدارية كبرنامج نطاقات الذي يمثل الصيغة التنظيمية لتعامل الوزارة مع قضايا ونسب السعودة في مختلف القطاعات الخاصة، أما الجانب الآخر فيتمثل في تلك الحملات الإعلامية التثقيفية التي ترمي لخلق وتحفيز ثقافة جديدة عن العمل، وبخاصة في المهن الجديدة التي يخضع التحاق الشباب بها لكثير من العوائق الثقافية والاجتماعية، ومع التضاؤل والانحسار الذي تشهده ثقافة العيب في العمل مقابل الاحتياج تبرز مشكلة تعامل الشباب مع تلك المهن كوظائف موقتة، وهو ما يقف حائلا بينهم وبين الإبداع والتميز في تلك الأعمال. حاول الوزير في مقالته أن يقدم قراءة لمبررات الاستقدام ودخول العمالة الأجنبية من خلال تأصيل يبدأ من فترة السبعينات الميلادية، وهو واقع صحيح ومؤكد تاريخيا، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن مجرد ركون لتلك العمالة، إذ لم تلبث تلك الفترة أن تنتهي حتى دخل السعوديون مرحلة الطفرة الأولى، وهي وإن حققت كثيرا من الرفاه في الحياة السعودية إلا أنها تسببت في نسف كثير من قيم العمل والكسب، وأصبح السعودي يمتلك مالا دون أن يعمل، فلم يعد الكسب مرتبطا بالعمل كما هي المعادلة الفعلية لواقع الكسب، وهو ما أوجد لدينا تصورا سلبيا لفكرة العمل وجعلها منفصلة عن الجدوى، وفي تلك الفترة من الزمن ومع تراجع وانحسار الوعي المدني مقابل تصاعد الوعي التقليدي أخذت قيم العمل تتراجع لأدنى مستوياتها خاصة حين انحسرت فترة الطفرة لنجد أنفسنا أمام واقع اجتماعي معقد، يحتاج فيه الأفراد إلى وظائف إنما بمقاسات ومواصفات محددة، تقدم لصاحبها دخلا ماليا بينما لا تقدم للتنمية أية جدوى. كان بإمكان التعليم العام والتعليم العالي في تلك الفترة أن تدشن مشروعات مستقبلية على مستوى الإعداد وعلى مستوى التثقيف، والعمل على نشر وعي جديد حول قيم العمل والإنتاج، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث في تلك الفترة، وهو ما يفسر صعوبة ما تقوم به هذه الوزارات الآن بعد أن تراكمت وتعقدت تلك الإشكالات إلى حد بعيد.
إن استيعاب مشكلة البطالة في المملكة والتعامل معها من خلال ربطها بواقع العمالة الأجنبية أمر لن يسفر في الغالب عن أية حلول، كما أنه يبث حالة من الذعر الاجتماعي والثقافي، لأنه يكرس فكرة أن السعودة تعني إخراج العامل الأجنبي من البقالة والورشة ووضع العامل السعودي مكانه، وهي عملية إحلال لا يمكن أن تنجح ولا يمكن أن تمثل مواجهة للبطالة، لأن الحل يكمن في خلق فرص عمل جديدة وبمناخات ملائمة، مع التركيز على توسيع نطاق عمليات التدريب والتأهيل. الخطأ الكبير الذي يتكرر سنويا حينما نستبشر ونهلل عندما تعلن الجامعات أنها استوعبت أكثر خريجي وخريجات الثانوية العامة، خاصة مع اتجاه نسبة كبيرة منهم للتخصصات النظرية التي يمكن أن تخرج لك موظفا يبحث عن عمل، ولكنها لا تخرج لك كادرا مؤهلا يبحث عنه سوق العمل، وفي كثير من دول العالم لا يتجه للجامعات سوى نسبة محددة من خريجي وخريجات الثانوية العامة، بينما يلتحق البقية بمختلف مؤسسات ومعاهد التأهيل والتدريب في مختلف الفنون والمهارات. ولعل من المفارقات القائمة الآن ما تناولته وسائل الإعلام عن توجه لإغلاق المعاهد الصحية الأهلية، ورفع مستوى الممارس الصحي إلى درجة البكالوريوس، مما يعني تأخير عملية التأهيل لسنوات عدة سوف يضطر فيها سوق العمل الصحي لاستقدام كوادر من الخارج. الآن يمكن القول إن وزارة العمل في طريقها للسيطرة على كل الأخطاء التي يقع فيها القطاع الخاص في الالتزام بنسب السعودة، لكن المشكلة ستتركز في غياب سعوديين مؤهلين لشغل تلك الوظائف، مما يعني أن التدريب والتأهيل وإسقاط وهم الجامعة على أنها الخيار الأنسب سوف يمثل بداية فعلية لكوادر سعودية يبحث عنها سوق العمل.