تتمازج الألوان وتختلف الخامات لتنتج لوحة مغزاها "متاهات"، حيث يبدأ المتلقي من خيوطها الرفيعة ليتوه باحثا عن النهاية في اللوحة، ويبدأ محاولة رحلة البحث من جديد. بهذه الكلمات تحدثت الفنانة التشكيلية سيما آل عبدالحي عن تجربتها في معرض "الأربعة"، الذي ضم إلى جانبها: زهرة المتروك، وفاطمة النمر، وجاسم الضامن، حيث قدم الأربعة 79 عملاً فنياً، في المعرض المقام بقاعة تراث الصحراء في الخبر، والذي افتتح مساء أول من أمس ويستمر عشرة أيام.

وتضيف آل عبدالحي أن "تقنية الجرافيك تظهر في فن الرسوم المطبوعة جلية في اللوحات التي أقدمها وتتمازج فيها الزخارف الإسلامية والآيات القرآنية، وأشكال نباتية تحملها حضارات العالم القديم، بالإضافة إلى رسوم تراثية مستوحاة قصصها من الحضارات القديمة الإيرانية والساسانية، ومما رسم على خزفيات هذه الدول في القرون الغابرة، كان هذا مما قدمته في معرض "خربشات الروح" الذي قدم في نهاية 2009 و"مشارف" 2010، وهنا امتزجت هذه التقنية مع لوحات معزوفة القدر، حكايات وحكايات من لون الطين والتربة وتدور شخصيتها في متاهات الحياة آملة النظر.

الفنانة فاطمة النمر الحاصلة على جائزة الفن السعودي المعاصر الشهر الماضي، قالت: رغم المراحل العمرية المتقاربة بين الفنانين الأربعة فهناك اختلاف في تجاربهم، حيث يستخدم كل فنان تقنياته وأدواته بأسلوب مختلف ومغاير حتى على مستوى الطرح الفني كفكرة ومضمون، ولكن هناك روح التقاء تجمع تجاربنا وهي المعاصرة والحداثة، ففي تجربتي هناك نافذة يطل من خلالها الحب كهمزة وصل بيني وبين العالم الخارجي.

ويمثل المعرض للفنان جاسم الضامن - كما يقول - ارتباطا فنيا بين الأربعة مشكّلاً جواً واحداً من الطاقة العفوية التي ترسخت على أسطح اللوحات وتعبر عن ارتباط المكان بالزمان الذي يعيشه الأربعة. هذا المعرض خطوة بداية إلى ما لا نهاية، فبالنسبة لي لا أدري أين سيأخذني لكنني أشعر أنه اللحظة المناسبة لانطلاقة لا تعرف إلى أين ستذهب لتشعرني بالرغبة أكثر في اكتشاف المجهول.

وتقدم الفنانة زهرة المتروك أعمالها الروحانية التي تمثل الرقم (7)، الذي تعتبره مصدر القوة، بالطريقة المسماة بالمدرسة المفاهمية، مستخدمة ألوان أكريلك على قماش مع بعض التذهيب، وألوان غلب عليها اللون الأخضر والأسود، حيثُ مَثلتُ المرأة بلا فم أو عين أو بلا ملامح، مجسدة حالة المرأة من خلال عدة أعمال.

وفي حديث للفنان زمان محمد جاسم يرى أن في الفنانين الأربعة قواسم مشتركة تجمعهم في المعرض، من خلال الموهبة والطموح والإصرار والبحث، جعلتهم أقرب لبعضهم البعض حتى زادت معرفتهم ببعض وتشكلت صداقتهم فأصبحوا كالطيور المحلقة في سماء الفن والبحث والتحدي، فلا تجد مناسبة أو نشاطا إلا ولهم حضورهم المميز، ومن المفارقات المشجعة أنهم لا يشبهون بعضهم كثيرا في إنتاجهم رغم تقاربهم روحيا في رؤيتهم وتطلعاتهم للفن وربما يتقاسمون بعض المفردات ولكن لكل منهم أسلوبه وطرحه.

ويضيف جاسم أن الفن بالنسبة للتشكيلية سيما آل عبدالحي، هو المتنفس، توليه اهتماما ووقتا، تعيش حالة من البحث في عدة توجهات ومحاور ولكن تحت مظلة ومضمون واحد وهو التعبير عما بداخلها بصدق فتكشف عن أحلامها وطفولتها داخل منتجها الفني بوعي وبإدراك فني معاصر.

ويرى أن عمل الفنانة زهرة المتروك لافت وصادم للمشاهد، وتعتمد في أعمالها على قضايا المرأة وهمومها كفكرة قد تكون تقليدية بسيطة، وتقدم بروح ونفس معاصر تعتمد فيه على اللمسة الخاطفة التي تربك المتلقي في محاولة لاستكمال ما لا يمكن استكماله. والفنانة فاطمة النمر، تتعامل بروحانية مع منجزها الفني من خلال ما تملكه من عاطفة خاصة، وبحث دؤوب في تصوير مشاعر الحب وتجسيده في اللوحة، فهي لا يمكن أن تفصل العنصر الإنساني داخل عملها حتى في حاله غيابه، مع حرصها على أن يكون هذا التعبير باشتغالات وتقنيات عالية ناتجة عن بحث جاد.

أما الفنان جاسم الضامن، فيراه زمان جاسم رغم ظروف استكمال دراسته التي لم تمنحه التفرغ الكامل حاليا للفن، يعيش الفن ويتنفسه كل يوم، ويقدم أطروحاته اللونية الممتدة من جذور التراث، وخاصة الموتيفات الشعبية التي تكون حاضرة في معظم تجاربه بأسلوب فني مغيب ومجرد، يمتلك القدرة على ترك مساحات وتأثيرات داخل اللوحة دون العبث فيها تدل على وعي متجاوز برغم صغر سنه إلا أنه يتعامل بتقنيات احترافية عالية في اللون والملمس والتكوين.