في كل مكان هناك كتابات تشوه المنظر العام.. عبارات مختلفة.. عنصرية.. سياسية.. خادشة.. مشاعر سلبية.. على الجدران على الأبواب.. أغرب ما رأيت صورة لـ"بعير" في الصحراء، وقد امتلأ جسمه بالكتابات وعبارات الغرام والحب!

على أحد الجسور هناك عبارات تمت كتابتها على وزن ذكريات أبو فلان وفلتان.. لم أستغرب لحظتها من وصول هذه الظاهرة إلى هنا.. الغريب كيف استطاعوا الوصول إلى هذا الجسر الذي يرتفع عن الأرض أربعة أمتار؟!

في المطاعم الشعبية ذات الجلسات الأرضية التي تنتشر في بلادنا، يهولك أنه لم يترك هؤلاء "سانتي متر واحد" لم يدونوا فيه ذكرياتهم وغرامياتهم.. بعضها أبيات شعر جميلة.. الغريب أننا لا نقرأ تفاصيل هذه الذكريات.. فقط نقرأ العنوان: "ذكريات أبو علي".. ذكريات خلودي وعبودي!

وهناك جدران المساجد.. أمس وصلتني مجموعة صور لمساجد تعاني من هذه الظاهرة.. وهناك المدارس والمنشآت العامة.. بل حتى جدران المقابر لم تسلم من عبارات الوداع والدموع وأبيات الشعر الحزينة والآهات.. وهناك حاويات النفايات التي تحولت مجالا للتعصب الرياضي.. فهذا بيت النصر وذاك بيت الهلال.. وحينما تدخل دورات المياه العمومية.. تجد أن كتابات كثيرة تملأ باب الحمام من الداخل. هذه الظاهرة موجودة في المدارس للاحتجاج على بعض المعلمين وأحيانا مدير المدرسة!

لن أملأ ما بقي من مساحة بسرد سلبيات ظاهرة الكتابة على الجدران وسلبياتها وتشويهها للمنظر العام.. هذا "كلام فاضي"، فالكل يدرك ذلك وأولهم أصحاب الذكريات الفارغة!

الذي أتمناه من جمعيات الثقافة والفنون أن تنضم دورات حية في الميادين والمراكز التجارية والعامة لاحتواء هؤلاء الشباب، وتقدم لهم الحوافز.. هناك طاقة هائلة لدى هؤلاء المراهقين.. لماذا لا يتم تخصيص جدران في الهواء الطلق، لهؤلاء؛ يمارسون عليها هواياتهم من جانب، ويجمّلون شوارع المدينة من جانب آخر؟