من المظاهر التي تسر الناظرين في رمضان إقبال الناس على قراءة القرآن الكريم، سواء في المساجد، أو في البيوت أو في أي مكان آخر، فسماعك لأصوات التالين، ولهم دوي كدوي النحل؛ يبهج النفس، ويزيد في الإيمان، والجميل في الأمر أن الإقبال من الجميع، أي من الكبار والصغار، والرجال والنساء، والعامة والخاصة، وهذا أمرٌ يذكر فيشكر ونحمد الله عز وجل عليه، وهو مؤشر لافت لإحياء القلوب في رمضان ولكن - وأعاننا الله على ما بعد لكن - مع هذا المظهر الجميل، وما يمثله من زخم روحاني إلا أننا نحتاج إلى ما هو أبعد من القراءة، وليس هذا تقليل من شأن القراءة - أعني قراءة القرآن الكريم - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ( أخرجه البخارى).

إنما مع القراءة، نحتاج إلى التدارس المفضي للتدبر، والمثمر للعمل والتطبيق، وكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي ثبت أنه كان يدارسه جبريل القرآن، فتدبر معاني القرآن ومعرفتها واستشعارها؛ يحمل النفس على التغيير إلى الأفضل، ويظهر ذلك جلياً في الأخلاق والسلوك، فعائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم قالت (كان خلقه القرآن)، فلإن نختم القرآن مرة واحدة لكن بتدبر مثمر للعمل، أفضل وبكثير من أن نختمه مرات ومرات وبلا أثر.

نحتاج (أن نكون وقافين عند كلام الله جل في علاه) فنحن نقرأ النهي عن الكذب والكبر وعقوق الوالدين وأكل الربا، وكذلك عن العفو والتراحم والإحسان إلى الخلق وغير ذلك، لكن تطبيقنا لذلك قليل جداً وهذه هي المفارقة.

الوقافون أيها الأحبة يشعرون أن الخطاب موجه إليهم، قبل أن يوجه إلى غيرهم، وهذه هي الميزة التي ميزت العظماء الوقافين عند كلام الله من أمثال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم عيينة بن حصن، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الرجل؛ فاستأذن لي عليه، فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: ها ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به؛ فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، وإن هذا من الجاهلين، قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله.

كم من الوقافين نحتاج يا عمر؟!