مرت علينا هذا الأسبوع ذكرى نصر العاشر من رمضان عام 1393، الموافق السادس من أكتوبر عام 1973م. وقد استطاع العرب أن يثبتوا فيها قدرتهم على مواجهة العدوان، وإجبار الكيان الصهيوني على التراجع، أمام مقاومة الجيوش العربية، التي قاتلت على الجبهتين المصرية والسورية. كما شمل القتال استخدام النفط العربي، للضغط على البلدان المساندة للعدوان للكف عن انحيازها للكيان الغاصب.
ففي مواجهة استمرارية الاحتلال، والوضع الاقتصادي الصعب، وفشل هيئة الأمم المتحدة في التوصل لحل سلمي يستعيد بموجبه العرب الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعدوانها في يونيو عام 1967م، واستجابة الضغط الشعبي المتزايد باتجاه إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم، اتخذ الرئيس المصري محمد أنور السادات والرئيس السوري حافظ الأسد، بعد التشاور مع بعض قادة الأنظمة العربية وفي مقدمتهم الملك فيصل بن عبد العزيز قرارا بالقيام بحرب، لكسر حالة الجمود في الصراع العربي-الإسرائيلي. وتحدد خريف عام 1973 موعدا للمواجهة مع إسرائيل وإزاحة قواتها من سـيناء والجولان.
وفي 6 أكتوبر من العام نفسه، تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس إلى الشرق، بينما تمكنت القوات السورية من عبور الخطوط الإسرائيلية في مرتفعات الجولان. وكان القصف المدفعي عبر الجبهتين المصرية والسورية مفاجأة حقيقية للعالم بأسره. لقد أثبت الجيشان في مصر وسوريا قدرتهما على القتال، وحطما أسطورة العدو الذي لا يقهر.
مارست الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، ضغطا على الأطراف المتحاربة لإيقاف القتال. كما اجتمع مجلس الأمن الدولي وأصدر في 22 أكتوبر 1973 قرارا برقم 338 دعا الأطراف المتحاربة إلى وقف فوري لإطلاق النار، لخلق مناخ أفضل لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. وتقيدت مصر وسوريا بالقرار، لكن إسرائيل واصلت الحرب في محاولة للإجهاز على الجيش المصري.
في25-26 أكتوبر، واستجابة لنداء استغاثة من مصر، هدد الاتحاد السوفييتي بالتدخل العسكري لإنقاذ الجيش الثالث من حرب إبادة إسرائيلية. مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع درجة الإنذار النووي القصوى، والتهديد بالتدخل إلى جانب إسرائيل. وفي النهاية أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يقضي بإرسال قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة للإشراف على وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل.
وكان من أهم نتائج الحرب على المستوى العربي، سيادة شعور عام بالتخلص من الشعور بالعجز أمام أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
وأهم دروس هذه الحرب، هي أن العرب، شأنهم شأن الأمم الأخرى، لديهم القدرة والقابلية على القتال، وإلحاق الهزيمة بالعدو، متى ما امتلكوا الوعي والإرادة والعزيمة والتصميم والتعبئة والقدرة على التخطيط. وكشفت الحرب أيضا أن هزيمة العرب أمام الكيان الصهيوني ليست قدرا مقدرا عليهم، بل نتيجة للارتجال والانفعالية وغياب التخطيط، وعدم وجود استراتيجية قتالية فاعلة.
ومن بين أهم الدروس التي كشفت عنها نتائج هذه الحرب، أنه ليس يكفي وجود إرادة القتال، والتهيؤ لمستلزماته. ولكن ينبغي أيضا، أن تكون صورة الهدف واضحة لدى الأطراف المتحاربة. وأيضا كيفية احتواء الأزمات والعثرات أثناء المعركة. لقد بدأت الحرب بتنسيق كامل بين الجبهتين المصرية والسورية، وانتهت باختلافات في الرؤى والاستراتيجيات، بما كان له الأثر السيئ على مسار عمليات فك الارتباط على الجبهتين، الذي أعقب وقف إطلاق النار.
كما أن المقاربة بين نتائج حرب يونيو عام 1967م، ومعركة العبور عام 1973م، قد أكدت أن التناحر والصراع بين الأنظمة العربية، كان من نتائجه تفتيت طاقات الأمة، وترجيح كفة الخصم في المواجهة من أجل تحرير فلسطين. لقد حدثت نكسة يونيو في ظل انشغال شبه تام بالخلافات العربية- العربية، وغياب كامل للتضامن العربي، كان من نتائجها العجز والوهن العربي، عن مقابلة التحدي الحضاري، الذي مثله وجود الكيان الغاصب على أرض فلسطين. على النقيض من ذلك، حدثت معركة العبور، بأكتوبر عام 973 1م، في ظل تعاون وتنسيق عربي. فكانت النتيجة أن جرى الزج بطاقات الأمة مجتمعة في معركة الكرامة واسترداد الأراضي المحتلة. وكان لذلك تأثير كبير على الجانب السياسي للمعركة. حيث وقفت الأمة وقفة رجل واحد في مواجهة الدول التي انحازت للكيان الصهيوني، وقدمت له السلاح والعتاد، ودعمته في معركته السياسية.
وفي هذا السياق، سيسجل التاريخ، دور النفط العربي في معركة أكتوبر. فقد لعب النفط أدوارا رئيسية مختلفة في هذه المعركة. لعب الدور الأول في المعركة، من خلال الأموال التي أقرتها قمة الخرطوم لدعم صمود دول المواجهة. وكان لذلك الدعم دور مجيد في إعادة تسليح الجيوش العربية التي قاتلت في معركة أكتوبر. ولعب النفط دوره مرة أخرى، في هذه المعركة، حين لبت الدول النفطية نداء الملك فيصل بن عبد العزيز لتخفيض إنتاج النفط، ومنع تصديره إلى الدول التي ساندت الكيان الغاصب. وقد أحدثت تلك القرارات هزة في الاقتصاد الدولي ونقلت قضية فلسطين من بعدها الإقليمي إلى مستوى عالمي. ولعب النفط مرة ثالثة، دورا سياسيا باهرا، حين نقل جاذبية الصراع وثقله إلى ضفاف الخليج العربي. وكان من نتائج، قرارات الحظر الجزئي لإنتاج وتصدير النفط تحقيق الطفرة الاقتصادية الأولى التي عمت المملكة العربية السعودية، بشكل خاص ومنطقة الخليج العربي.
لقد أكدت نتائج الحرب، أن العرب بتضامنهم، وبتبنيهم استراتيجيات صحيحة، يستطيعون إجبار العالم، على الاعتراف بحقوقهم. وأنهم عاجزون عن نيل الحد الأدنى من حقوقهم، متى ما كانت الفرقة والعداوة ديدنهم.