مع ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، ازدادت الحاجة إلى حماية الأطفال الذين يستخدمون تلك الوسائل من مخاطرها، مع الحفاظ على فوائد التواصل عبرها مع أهاليهم وأصدقائهم. فتجربة الدول التي سبقتنا في استخدامها تشير إلى تعرض الأطفال فيها لبعض الأخطار مثل التحرش والابتزاز، وتشويه السمعة، والهجوم الشخصي النفسي والبدني. ومع أن تلك المخاطر ما زالت محدودة من حيث الانتشار، إلا أنها في تزايد مستمر، وتتطلب يقظة كل أب وكل أم.

ولنأخذ على وجه الخصوص موقع فيسبوك، والذي يتجاوز عدد مستخدميه في المملكة العربية السعودية أربعة ملايين مستخدم، حسب الإحصاءات الرسمية للشركة، وهو ما يعادل نحو 36% من إجمالي مستخدمي الإنترنت الذين يتجاوز عددهم (11) مليون مستخدم في المملكة.

ويشكل الشباب الغالبية العظمى من مستخدمي الفيسبوك في المملكة العربية السعودية، حيث تبلغ نسبة الفئة العمرية (18-24 عاماً) نحو 33% من إجمالي عدد مستخدمي الفيسبوك، أو 1.3 مليون مستخدم، في حين تبلغ نسبة الفئة العمرية (25-34 عاماً) نحو 36% أو 1.5 مليون مستخدم.

لكن ما يثير قلق الكثير من المربين على وجه الخصوص هو فئة الأطفال دون الثامنة عشرة الذين يستخدمون فيسبوك، وما قد يتعرضون له من أخطار. وتشكل نسبة الأطفال الذين يستخدمون فيسبوك في المملكة العربية السعودية حوالي 14%، أو ما يتجاوز 570 ألف طفل تقل أعمارهم عن 18 عاماً. ومع أن فيسبوك يحدد سن (13) عاماً كحد أدنى للتسجيل فيه، إلا أن كثيراً من الآباء يسجلون أبناءهم قبل تلك السن، بتقديم معلومات غير صحيحة عن أعمارهم، رغبة في إكساب أطفالهم الخبرات المفيدة لهذا الموقع وتسهيل التواصل الاجتماعي مع أبنائهم.

ولنعتبر بتجارب الدول الأخرى التي تسعى لمعالجة الأخطار الكامنة في استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي دون مراقبة أو متابعة. فقد أصدرت ولاية (ميسوري) الأميركية الأسبوع الماضي قانوناً يمنع أي نوع من "التواصل المنفرد" بين المعلم وطلبته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وسيصبح القانون نافذاً اعتباراً من 28 أغسطس 2011. ولذلك فقد أُلزم المعلمون بحذف أسماء طلبتهم من قائمة أصدقائهم في فيسبوك، وطلبت بعض الإدارات المدرسية من معلميها منحها حق الدخول على أي حساب لهم يتواصلون من خلاله مع الطلبة.

وقد أثار قانون حماية الأطفال (Amy Hester Child Protection Act) الذي أصدرته ولاية ميسوري حواراً في الولايات المتحدة حول ما يليق وما لا يليق في وسائل التواصل الاجتماعي. فهناك نسبة لا بأس بها من المعلمين يستخدمون فيسبوك، تويتر، وسكايب، وغيرها، للتواصل مع طلبتهم، لإبلاغهم وتذكيرهم بالواجبات والفروض المنزلية.. إلى غير ذلك من الطقوس المدرسية، وفي الأغلب يرحب الطلبة والأهالي والمعلمون والإدارة المدرسية باستخدام هذه الوسائل. ولكن حالة واحدة من إساءة استخدام فيسبوك، تمثلت في التحرش الجنسي بطفلة في الثانية عشرة دفعت الولاية إلى إصدار قانونها الذي يضع قيوداً على أي تواصل بين المعلم والطالب.

وبصفة عامة يدعم الكثير من المربين أهداف القانون الجديد، ولكن البعض يرى أن القانون، في سعيه لحماية الأطفال من التحرش، قد يحرم الطلبة من فوائد كثيرة توفرها تلك الوسائل للتواصل بين المعلمين وطلبتهم. ومع تأييد الكثيرين لمنع التواصل الانفرادي بين المعلم والطالب، فإن ذلك يترك مجالا كبيراً للتواصل الجماعي العام والمفيد، بين المعلمين والطلبة، من خلاله يمكن أن يتم تحقيق جميع أهداف التواصل الفردي.

وقد يظن المرء أن هذا الفضاء العام آمن، ولكن ذلك ليس بالضرورة. ولذلك تشعر بعض المدارس الأميركية أن عليها أن تراقب هذا الفضاء العام، وتستعين في ذلك بشركات متخصصة لمتابعة ما يكتبه طلبتها في مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، فورمسبرنج، أو تمبلر، (ولكن ليس ما يكتبونه في رسائلهم الخاصة).

وتدرك هذه المدارس أن هذه الوسائل قد أصبحت ضرورية للتواصل لهذا الجيل من الشباب والأطفال، ولكنها تُغلّب الحيطة والحذر لتفادي أخطارها، ويخشى المربون على وجه الخصوص من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإذلال أو إقصاء بعض الأطفال، أو طفل بعينه (ما يُسمّى بـ cyber-bullying)، بسبب وزنه، أو عاهة فيه، أو لونه، أو دينه، أو غير ذلك. وهي ظاهرة في تزايد مستمر في المدارس الأميركية وتسبب أضراراً نفسية كبيرة لضحاياها، فضلاً عن تعرض أولئك الضحايا للاعتداء الجسدي.

وقد دعا ذلك بعض المدارس إلى منع طلبتها من استخدام بعض وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، وفورم سبرنج، طيلة اليوم الدراسي.

أما بعض المدارس، فتعتمد على الرقابة الذاتية للطلبة أنفسهم، أو على الآباء والأمهات، لمراقبة ما يُقال في الفضاء العام لوسائل التواصل الاجتماعي. وتتواصل تلك المدارس مع الأسرة، حتى خارج ساعات الدوام الدراسي، في حال وجدت مادة مسيئة وضعها ابنهم أو ابنتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومهما حاولت المدارس والجهات الرسمية مراقبة تصرف الأطفال والمراهقين في وسائل التواصل الاجتماعي فإن خط الدفاع الأول هو الأسرة، مما يعني أن كل أسرة يجب أن تكون متواجدة في تلك الوسائل، وأن تضع لأبنائها وبناتها القواعد اللازمة للاستخدام الآمن والمفيد، وأن تطّلع على ما يكتبه أطفالها ممن هم دون الثامنة عشرة، وما يصل إليهم من مادة، لحمايتهم من مخاطر تلك الوسائل.