الأحداث التي عمت الكثير من دول العالم العربي كليبيا وسورية واليمن ومصر وتونس مع ما يحفها من مبررات قد تكون مقبولة للبعض ومرفوضة للبعض الآخر، ولكنها بالتأكيد مزعجة للأغلبية من العقلاء الذين كانوا يأملون ألا يصل الحال ببلادهم إلى هذا الحد من عدم الانضباط والفوضى وسفك للدماء البريئة، فالنتيجة التي نراها على مدار الساعة، والتي قد نراها لسنوات هي افتقاد الأمن والأمان في تلك الدول، ولم يعرف التاريخ الإنساني ثورة بدأت وانتهت دون حصد أرواح بريئة، فالثورة الفرنسية التي يجلها البعض والتي كان شعارها (الحرية والمساواة والإخاء) قتلت آلافا من الرجال والنساء وحتى الأطفال، لم تهدأ إلا بعد سنوات عدة، كانت خلالها تمثل الوحشية بأبشع صورها، ولأننا شئنا أم أبينا لسنا بمعزل عما يدور حولنا، فنحن جزء من العالم المحيط بنا، ولأن التاريخ دوما يعيد نفسه، علينا أن ندرسه ونتدبره جيدا.
وقد يتساءل البعض؟.. هل أعنى بقولي هذا بوجوب سكوت المظلوم واستسلامه، لا.. ليس هذا الذي أعنيه.. لكن عليه قبل رفضه للظلم، أن يكون على يقين أنه لن يتحول من مظلوم إلى ظالم، وألا يتتبع كل الخطوات التي تحقق له الانتقام والتشفي، نعم بعض الحالات التي نراها في تلك الدول لا يقبلها منصف على غيره فكيف على نفسه، لكني أعتقد أن الظالم فيها سيزداد ظلما وأن المظلوم سيزداد قهرا، وأن الحل ليس باستفزاز البسطاء أمام وحوش ضارية لا تعرف الرحمة، وهنا أوجه اللوم لقنوات إعلامية ترى في سفك الدماء مادة إعلامية دسمة! ولذا تعمل بجد منقطع النظير على تأجيج الناس واستفزازهم.
وفي هذا الشهر الفضيل.. شهر الصيام شهر القيام شهر الخيرات ليتنا كمسلمين نذكر أنفسنا بقول رسولنا عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها التي سألته: يا رسول الله أرأيتَ إن وافقت ليلة القدر ما أدع ؟ فقال: تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عني. وقوله عليه الصلاة والسلام لعمه العباس بن عبد المطلب، الذي سأله: (يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله، قال: (سل الله العافية) فمكثت أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله، فقال لي: (يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية) وقوله عليه الصلاة والسلام: (سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية)، ونحن في هذه الأوقات العصيبة عندما نشاهد العالم حولنا قد تحول إلى ساحة حرب حيث يقتل الجار جاره، أو عندما نشاهد أجساد أطفال الصومال لا تقوى على الحراك، يكتفي معظمنا بالتحسر لثوان معدودات سرعان ما تنتهي، لينشغل كل منا بحياته، ويسعى وراء ملذاته، وقد ننسى في خضم ذلك ذكر الله سبحانه، ننسى أفرادا وجماعات طلب العفو والعافية من المولى سبحانه، لعله بعظيم فضله يدفع عنا بلاء يسعى البعض إلى إيقاعه بنا، لعله بواسع رحمته يديم علينا نعمة الأمن والأمان.
لقد علمنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام كيف نتعامل أمام هذا البلاء الذي عم تلك الدول، وأمام أي بلاء نصادفه في حياتنا، فقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء)، وهو ما يتوجب علينا فعله.. نحمد المولى سبحانه على عظيم فضله، وندعو في الوقت نفسه لإخوة لنا يعيشون هذه الأيام الرعب والجوع بشتى أنواعهما، رفع الله عنهم البلاء وأعاد لهم الأمن والأمان.
وقد لفت نظري في هذا الشأن قول (عبد الأعلى التيمي) جاء فيه: (أكثروا من سؤال الله العافية فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء، وما المبتلون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس، وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم) نعم.. من يضمن لنا دوام الأمن والأمان الذي نتحرك من خلاله في بلادنا، من يضمن لنا ألا تتحول أحوالنا من حال إلى حال، ولنطبق سنة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد كان يدعو المولى سبحانه مساء صباح بقوله :(اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي؛ اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي). أخيرا أقول قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه (لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر)، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.