عندما كان في الثانية عشرة من عمره، تعرض لمرض الروماتيزم، فتوقف عن الدراسة سنة كاملة، وكاد أن يصابَ بالشلل، لذا صار صديقاً دائماً للمعوقين..

حينها، كان يطمح في الطيران، إلا أنّه أجّل رغبتَه حتى سعةٍ من الصحّة والوقت، لأنه إذ ذاك لا يستطيع، لكنّه أصرّ على تحقيق رغبته الأولى حين استطاع، فطارَ إلى أبعد مما يحلم ويتمنّى، حينما جاءته الفرصةُ الفضائية منقادةً ـ كما يقول ـ، ثم واصلَ الطيران ـ بعد ذلك ـ في سماواتنا القريبة، ليعيد لذاته أمنيته الأولى..

يعملُ، ويعمل متجهاً إلى الجهات الستّ، محاولاً أن يختطّ طريقاً جديدة إلى إدارةٍ غير تقليدية، إلا أن المحيط البيروقراطيّ بالمرصاد، وشراكة "الجِدة" مع "التقليد" قد لا تؤتي نجاحاً يانعاً، ولذا لا يرى أحدٌ الأثر واضحاً، برغم مرور السنوات، لأنّ هذه الفاتنة "السياحة"، عصيّةٌ على الثقافة التي تكلست في كهفٍ لا ترى منه "سياحة"، ولا "إدارة جديدة"..

"باحثٌ بإدارة الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام", هكذا بدأ الأمير الشاب سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز ـ قبل ثلاثةِ عقود ـ رحلةَ الصعودِ نحو غيماتٍ بها غيثٌ للوطن, ثمّ جاءنا إلينا قبلَنا جميعا، منذ ربع قرن على متن الرحلة الحاديةِ والخمسين (جي) للمكوك الفضائي ديسكفري, حينها كانَ مُبهراً في فعله، ومدهِشاً في أحاديثِه الصحفية الدالة على عقلٍ منظّم..

عقيدٌ طيّارٌ، تقاعدَ من العسكريّة مُختاراً, وواصلَ التحليقَ في سماواتٍ حقيقيّةٍ متصفّحاً أديمَ أرضٍ يُحبّها فتسكنُه, واستمرَّ تحليقُه في سماواتٍ مجازيّةٍ، يصعدُ إليها بالوطن على أجنحةٍ يحميها بالفعلِ الديموميِّ دونَ استكانةٍ أو راحة..

راح يرشُّ قطراتِ الأمل في أعينِ المعوقينَ وعلى قلبه لافتَةٌ مكتوبٌ عليها "إنسان", وفي الزمنِ ذاتِه يبثّ نجوى طموحاتِه إلى النورِ والترابِ والهواءِ وقطراتِ الماءِ وبقايا الماضين وغابر القرون ووجوه الآتين واقتصاد الوطن، في هيئةٍ وطنيّةٍ جديدة بوصفها إدارة، وجديدة بوصفها ثقافة..

باحَ لنا ـ خلال عمله المبهر على رأسها ـ بسرِّ قمرِ الصحراء, وسحرِ العالمِ المخبوءِ في الواحات, وعلّمنا قيمةَ خاتمٍ يلمعُ في قصر المربّع, ومعنى الحبّ في نسائم جبل "تهلل" الباردة, وغرسَ فينا أنّ كلّ ما يحيطُ بنا قيمةٌ, وعاملُ جذبٍ, وسببُ ارتحالٍ, وحبٍّ وسيرٍ في أرضٍ تخيّرَها الله..

مازال يتقرّى كتاب الاحتراف ليبتكر الطرائق الإدارية، ويجترح الطرق من أجل السياحة في عصرها الجديد.. مكرساً الإيمان بشيء اسمه الشراكة، ليهبنا الإيمان بالتكامل، من خلال أسلوبه الإداري في الهيئة العامة للسياحة والآثار.