لا أظن أن هناك آية قد تكررت في الماضي، وتتكرر في الحاضر، وستتكرر في المستقبل القريب أكثر من الآية 26 /3. كل الناس يغدو ويروح وهو معتقدٌ أن الآية الشريفة خير فاصل لفصول هذه المحاكمات والمماحكات الدنيوية. ولأنه رمضان؛ شهر نزول القرآن، وجدت نفسي حريصةً على البحث في تنزلات القرآن، وحلاوة معناه، وطلاوة مبناه. الآية رقم 26 من السورة 3 ـ سورة آل عمران ـ تنص على قانونٍ دنيوي هام هو: {قُلِ ?للَّهُمَّ مَالِكَ ?لْمُلْكِ تُؤْتِي ?لْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ?لْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ?لْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وأيضاً لأنه رمضان، فالذاكرة تذهب مباشرة إلى رموزه السابقين من العلماء الأعلام. بعد العصر؛ الأستاذ الكبير محمد حسين زيدان ـ مواقف مشرقة في التاريخ الإسلامي ـ وبعد المغرب الشيخ علي الطنطاوي ـ على مائدة الإفطار ـ وبعد منتصف الليل د. مصطفى محمود ـ العلم والإيمان ـ وقبيل الفجر أشهرُ مفسري معاني القرآن الكريم؛ الشيخ محمد متولي الشعراوي ـ خواطر إيمانية ـ رحمهم الله أجمعين.

في هذا المقال يهمني التفسير الرمضاني للشيخ الشعراوي لهذه الآية الكريمة، لا سيما أنه المشهور بطريقته المبسطة، التي مكنته من الوصول إلى القلوب والعقول. يقول رحمه الله ـ الكلام هنا بتصرف يسير ـ : "الملكية بالنسبة للإنسان تتلخص في أن يملك شيئاً فيصير مَالِكاً، وآخر يوليه الله على جماعةٍ فيصير مَلِكاً.. ولا يظن أحدٌ أن هناك إنساناً قد ملك شيئاً أو جاهاً في هذه الدنيا بغير مراد الله فيه، فكل إنسانٍ يملك بما يريده الله له من رسالة. وإذا انحرف العباد، فسيولي الله عليهم ظالما، لأن الأخيار قد لا يحسنون تربية الناس..{وَكَذ?لِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ?لظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.. وكأنه سبحانه يقول: يا أيها الخيِّر ضع قدماً على قدم، ولا تلوث يدك بأن تنتقم من الظالم، لأني سوف أضع ولاية ظالمٍ أكبر على هذا الظالم الصغير، وأربأ بك أن تفعل ذلك، وسأنتقم لك، لأنك منزه عندي عن ارتكاب المظالم.. ـ ويضيف ـ نحن جميعاً نعرف القول الشائع: الله يسلط الظالمين على الظالمين". ولو أن الذين ظلموا مُكِّن منهم من ظلموهم ما صنعوا فيهم ما يصنعه الظالمون في بعضهم بعضا، فالحق سبحانه يسلط الظالمين على الظالمين، وينجي أهل الخير من موقف الانتقام ممن ظلموهم.. ثم ـ يزيد رحمه الله قائلاً ـ في هذه الحياة نجد "مالك"، و"ملك"، وفوق كل ذلك "مالك الملك"، فإياكم أن تظنوا أن أحداً قد حكم في خلق الله بدون مراد الله، وإياك أيها المؤمن أن تظن أن أحداً قد أخذ الملك غصباً من الله، إنما الملك يريده الله لمن يؤدب به العباد، وإن ظلم الملك في التأديب فإن الله يبعث له من يظلمه، ومن رأى ظلم هذا الملك أو ذاك الحاكم فمن الجائز أن يريه الله هذا الملك أو ذلك الحاكم مظلوما. "مالك الملك" قول حكيم يؤكد لنا أنه سبحانه مالك الملك وحده، وأن ملكيته هي الدائمة والقادرة؛ واضحة، وجلية، ومؤكدة، ولو قال الله في وصف ذاته: "ملك الملك" لكان المعنى أن هناك بشراً يملكون بجانبه سبحانه (لا) إنه الحق سبحانه مالك الملك وحده.."

خاتمة:

ملك الملوك إذا وهب لا تسألنَّ عن السبب

الله يعطي من يـشاء فقف على حد الأدب.