تمكَّنت السُلطات الأميركية من إحباط المؤامرة الأخيرة لتنظيم القاعدة، والتي حاول من خلالها تنفيذ هجمات عن طريق متفجرات مخبأة في طرود بريدية، لكن يبقى هناك سؤال دون إجابة: كيف يمكن للسُلطات الأميركية والغربية أن تضمن البقاء دائماً متقدمة بخطوة على هذه الجماعة الإرهابية؟

ليس هناك حاجة للتساؤل عن ماهية أهداف الإرهابيين الإستراتيجية والتكتيكية، فقد تكفل قادة تنظيم القاعدة بشرح وتوضيح هذه الأهداف بين الفينة والأخرى، لكن المشكلة هي أن سماع هذه الأخبار لا يبعث على التفاؤل مطلقاً. نشرت مؤسسة "ستراتفور" الأميركية للأبحاث في نوفمبر الحالي تقريراً كتبه رولف موات لارسن، مسؤول سابق بوكالة المخابرات المركزية الأميركية، قال فيه إن زعماء تنظيم القاعدة يتوقون إلى اقتناء واستعمال أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة، وإن التنظيم لن يتردد في استخدام القنبلة النووية، إذا استطاع الحصول عليها، ضد الولايات المتحدة.

الدلائل على هذه النوايا ليست خفية أو سرية، بل على العكس فإنها ظاهرة يستطيع الجميع رؤيتها بكل وضوح. تماماً كما أصدر أسامة بن لادن فتواه الشهيرة التي أعلن فيها الحرب على الولايات المتحدة في عام 1998، أصدر نائبه أيمن الظواهري فتوى أخرى بعد حوالي عقد من الزمن وضع فيها النقاط على الحروف بما يخص المرحلة التالية المرتقبة في الصراع. إذا صدقنا ما جاء في رواية أيمن الظواهري، فإن بعض الجهاديين سيستخدمون يوماً ما أسلحة الدمار الشامل لتغيير مسار التاريخ إلى الأبد.

تحدَّث زعماء تنظيم القاعدة عن ضرورة الحصول على أسلحة الدمار الشامل لأكثر من عقد من الزمن، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق أي نجاح ملحوظ يمكن ملاحظته على طريق امتلاك قنبلة نووية أو أسلحة بيولوجية قادرة على إيقاع عدد كبير من الضحايا. لحسن الحظ فإن من الصعب للغاية بالنسبة لمجموعة إرهابية الحصول على أسلحة الدمار الشامل، لكن الأمر ليس مستحيلا بالطبع، وقد حافظ قادة تنظيم القاعدة على آمالهم بأن يتمكنوا من التغلب على التحديات الكبيرة التي يواجهونها في هذا الصدد.


بين بن لادن والظواهري

يضيف تقرير ستراتفور أن الذي تغيَّر في الآونة الأخيرة هو أن الهدف لم يعُد نظريا، بل تحول إلى المرحلة التنفيذية بسبب الخط الذي ينتهجه الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. فبدلاً من اتباع خط أسامة بن لادن في إصدار فتوى دينية، اختار الظواهري إصدار كتاب في عام 2008 بعنوان "التبرئة". في هذا الكتاب، أحيا الظواهري الفتوى التي أصدرها رجل الدين السعودي ناصر الفهد في مايو 2003، والتي أيد فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أعداء المسلمين. الظواهري تبنى أفكار ناصر الفهد بالكامل ويستخدم نفس الأفكار، والأمثلة، والاستشهاد العلمي للوصول إلى النتيجة ذاتها: يمكن تبرير استخدام الأسلحة النووية باعتبارها عملاً من أعمال الرد والمعاملة بالمثل.

يقول تقرير ستراتفور إن الظواهري يحاول في كتابه استخدام بعض ما يقول إنه أدلة من القرآن والسنة النبوية على جواز استخدام أسلحة الدمار الشامل، ويقدِّم إجابات يقول إنها تبرر قتل النساء والأطفال والمسنين وغير المحاربين، كما يحاول تبرير تدمير البيئة، والأخلاق في إيذاء المقاتلين، ويقدم تحليلات لمبدأ الردع.

والخلاصة التي يمكن فهمها من كتاب الظواهري هي أن الحُكم على استخدام أسلحة الدمار الشامل يجب أن يكون مستنداً إلى القصد وليس على النتائج، وإذا كان القصد من استخدام أسلحة الدمار الشامل متوافقاً مع المبادئ الإسلامية، فإن النتائج مبررة حتى لو كانت تنتهك محاذير محددة في إطار الإسلام. كما يطبق الظواهري نفس المنطق على مسائل أخرى مثل الولاء للدولة والعقود والالتزامات والمعاهدات؛ وجواز التجسس؛ والتضليل والخداع.


رسائل الدمار

بصرف النظر عن تأييد كتاب الظواهري لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، ينبغي الانتباه بشكل خاص لرسالتين هامتين يتضمنهما كتاب أيمن الظواهري.

الرسالة الأولى تتلخص بأن أميركا تحتل اهتماماً خاصاً بالنسبة للظواهري عند مناقشة هجوم نووي. ويربط الظواهري بوضوح بين جرائم الولايات المتحدة وبين الحاجة المزعومة لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، ويؤكد الظواهري نقلاً عن ناصر الفهد: "ليس هناك شك في أن أكبر عدو للإسلام والمسلمين في هذا الوقت هم الأميركيون".

يقول الظواهري إنه يعتبر الولايات المتحدة كيانا واحداً وفق فهمه للإسلام، وهذا يعني أن الظواهري يعتبر جميع الأميركيين أهدافاً مشروعة، بغض النظر عما إذا كانوا رجالاً أم نساء أم أطفالاً. هذه ليست مجرَّد مسألة ثانوية يمكن التغاضي عنها أو المرور عليها، وإنما هي اختيار محدد ومقصود للكلمات التي تعكس وتعبِّر عن خطورة الغرض من وراء استخدامها. ويحاول الظواهري جاهداً أن يستشهد بمجموعة متنوعة من القرآن والسُنَّة، لكنه في كثير من الأحيان لم يكن موفقاً في الأدلة التي ساقها، لأنها كانت تثبت عكس ما يريد قوله. أحياناً يتقصد الظواهري في كتابه استخدام عبارة "أنا أرى..." من أجل لفت الانتباه إلى حقيقة أن آراءه تختلف عن آراء بعض علماء المسلمين، وهي أيضاً وسيلة يحاول الظواهري من خلالها إعطاء نفسه الحق في إصدار أحكام إسلامية شرعية رغم كونه طبيباً وليس عالماً إسلامياً.

الرسالة الثانية هي أن الظواهري يرى أن وقوع عدد كبير من الضحايا نقطة لصالح استخدام أسلحة الدمار الشامل. كتاب الظواهري يبرر بكل صراحة وقوع هجوم مفترض على الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن يؤدي إلى مقتل 10 ملايين أميركي. مرة أخرى فإن هذا الرقم الهائل ليس رقماً ألقاه الظواهري عرضاً، بل إنه يعتقد أن مثل هذه الخطة تتطلب تقديم مبررات مُقنعة، وهو يقول في ختام كتابه إنه يعتقد أنه قدَّم هذه المبررات.

المنجنيق

والجدير بالذكر أن الظواهري يستخدم مراراً وتكراراً عبارة "قصف مدفعي" في سياق مناقشة الدمار الواسع والهائل الذي يمكن أن يسببه القيام بهجوم بأسلحة الدمار الشامل. ويبدو أن تنظيم القاعدة يعتبر أن أسلحة الدمار الشامل الحديثة مجرَّد شكل من أشكال الأسلحة التي لا تميِّز بين المدنيين والمقاتلين. بالنسبة للظواهري، يبدو أن استخدام الأسلحة النووية لا يختلف كثيراً عن استخدام المنجنيق في الحروب التي خاضها المسلمون في السابق.

ويخلص تقرير ستراتفور إلى أن نهج الظواهري يخالف جميع النظريات الغربية حول شروط الحرب العادلة. رفْضُ الظواهري قبول الهواجس الأخلاقية في فهمه للجهاد يعكس فهم سيد قطب الذي كان يعتبر أن الجهاد الإسلامي ليس له علاقة مع الحرب الحديثة، سواء في أسبابها أو في الطريقة التي يتم القيام بها.

الظواهري رجل عملي وليس رجلاً يستسلم بسهولة للتأملات، ولهجته تبيِّن قناعته بأن الغرب لم يتبرأ بعد من جرائمه. ومثل أسامة بن لادن في عام 1998، فإن الظواهري ليس فقط رجل دين، بل هو مخطط ميداني وعملياتي، ولا شك أنه يخطط لاستخدام هذه الأسلحة الرهيبة. كتاب "التبرئة" قد يكون تحذيراً بأن قواعد القتال على وشك أن تتغيَّر، وقد يكون من الحماقة عدم الانتباه لذلك قبل فوات الأوان.