على الرغم من تخفيض وكالة ستاندرد أند بورز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى AA+، إلا أن وضع القوى الاقتصادية والسياسية يجري وكأن شيئا لم يتغير. صحيح أن الصين صرحت في غير مرة خلال الأزمة أن على الولايات المتحدة إعادة النظر في سياساتها الإنفاقية وترشيد مصاريفها، وهو انتقاد سافر من دولة أجنبية على سيادة الولايات المتحدة في طريقة تصرفها بميزانياتها العامة، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن لتقبل مثل ذلك التصريح لولا اعترافها بوجود خلل هيكلي خطير، وأن الصين تمتلك أكثر من 8.5% من إجمالي الدين العام الأميركي بإجمالي يقارب 1.2 تريليون دولار. ولكن، هل ابتعد تأثير هذا التخفيض عن أسواق الأسهم؟ لا أعتقد ذلك، فحتى الدولار الأميركي يزيد قوة أمام باقي العملات إن لم يكن مستقرا.

على الجانب السياسي، نجد الولايات المتحدة بحزم شديد تسأل الصين عن سبب احتياجها لحاملة الطائرات الجديدة فارياج، فحاملات الطائرات تعمل على توسيع النفوذ العسكري بعيدا عن القواعد الأم. وعلى الجانب الاقتصادي، وجدنا أن أسعار سندات الخزانة الأميركية ارتفعت بدلا من أن تنخفض إثر تخفيض التصنيف! فعلى الرغم من وجود دول عدة تحظى بالتصنيف الائتماني الأعلى، وهو AAA مثل كندا وأستراليا إلا أن أسواقها غير عميقة ومتشبعة إلى حد كبير. أما فرنسا وألمانيا، فالمخاطر بالنسبة لهما تبقى مرتفعة بسبب ما يحوم حول منطقة اليورو من شكوك. أي إن الملاذ الآمن من المخاطر المتاحة حاليا لا يزال هو سندات الحكومة الأميركية، وإن التخفيض الحاصل ليس ذا بال، فالعالم لا يزال بحاجة لأن يبيع منتجاته إلى الولايات المتحدة والاحتفاظ بالسيولة لدى حكومتها وبنوكها، وبهذا الشكل لا تزال الولايات المتحدة تمسك بجميع أطراف لعبة الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

السعودية هي أيضا تقوم ببيع نفطها وتحصل مقابل ذلك على فوائض مالية كبيرة تفوق ميزانياتها. ولهذا، فإنها تحتفظ بتلك الاحتياطات في ملاذ آمن بعيدا عن أي نوع من المخاطر كما تفعل الصين. ولكن الصين مضطرة إلى القيام بذلك كون اقتصادها المحلي غير قادر على استيعاب العوائد المالية الإضافية، فالمساحة للتوسع في القاعدة الصناعية الصينية باتت ضئيلة جدا. أما بالنسبة للسعودية، فالقاعدة الصناعية ما زالت تتمحور حول النفط، وبالتالي فالاقتصاد قادر على استيعاب استثمارات ضخمة تستهدف أسواقا جديدة في الشرق مثل الهند والصين. المسألة ليست مسألة خلق مزيد من الوظائف فقط، إنما مجاراة الإرهاصات التي تبدت لنا في حادثة خفض التصنيف، ومحاولة لاستباق مجريات الأحداث لنحافظ على مكانتنا العالمية بل والتقدم بها.