واقعاً لا خيالاً عرفت المكان...، أمضيت به ليلة هي من أجمل ليالي العمر...، رائحة الأصالة لم تزل عالقة بمحيا السماء، أشمها كلما حملتني أجنحة البصيرة إلى هناك، حيث الوادي المبارك.. وادي العقيق بالمدينة المنورة!.

ولأن المكان بناسه، فلا يمكن أن أكون هناك - حقيقة أو خيالاً – دون أن أرى محمد الدبيسي وعيد الحجيلي ونايف فلاح وأبا الفرج عسيلان، وكل الأصدقاء الذين هم نبت طيب لهذا المكان المقدس...، وبعض من عبقه وسحره وأصالته التي تمشي على الأرض!.

اليوم اكتملت المعادلة!؛ فلم أعد أمتطي أجنحة الخيال فحسب لأشم عبق الوادي المبارك وأتملى ناسه الطيبين، بل يأتيني الوادي المبارك حقيقة لا خيالاً في مداد رقيق بين دفتي كتاب الدبيسي "الوادي المبارك.. مرائي الشعراء وجماليات المكان"، الصادر حديثاً عن نادي المدينة المنورة الأدبي بالاشتراك مع الدار العربية للعلوم ناشرون.

نعم...، استطاع الدبيسي أن يكون سفيراً حقيقياً وهو يحمل على عاتقه مسؤولية نقل هذا المكان المقدس إلى القارئ العربي داخل المملكة وخارجها...، واستطاع أن يحرض ويحفز الذين لم يحظوا بشرف زيارة هذا الوادي من قبل على أن يبادروا بزيارته، وأن يلتمسوا شيئاً من عبقه وأصالته، وأن يكتشفوا كثيراً من سيرته العطرة وتاريخه المجيد، كما استطاع أن يؤجج شوق الذي حظي بزيارته ليجدد عهده بالأجواء التاريخية المقدسة والمباركة، وكيف لا وقد توثقت تلك الأهمية دينياً وبلغت مستوى متعالياً في القيمة – كما يقول الدبيسي – عبر الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه قال: حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد وبشر بن بكر التميمي قالا: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا عكرمة أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول إنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني الليلة آت من ربي قال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة". وقد كان هذا الحديث – يقول الدبيسي – النص الأول الذي خلع على الوادي صفة عرف بها فيما بعد وهي "المبارك" التي تواترت مع الاسم "العقيق" للدلالة على المكانة الدينية الرفيعة للوادي.

الدبيسي لم يكتف بالوقوف على وادي العقيق مكاناً ومكانة، بل تناول المكان موضوعياً بالوقوف على مكانته لدى شعراء المدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري، ثم تناوله فنياً بالتعريج على الشكل الشعري واللغة الشعرية والظواهر اللغوية والصورة الفنية لدى هؤلاء الشعراء، فجاءت أطروحته شافية كافية، نموذجية من حيث المنهج، شديدة العذوبة من حيث التنوع، رائعة التناول من حيث الأسلوب واللغة والتحليل، فهنيئاً للعقيق بأبنائه، وهنيئاً لنا بمقدم هذا الوادي المبارك على يدي سفيره: محمد الدبيسي!.