أصبحت مشاهدة الباعة المتجولين من الأطفال وهم يعرضون بضائعهم عند الإشارات الضوئية على أصحاب المركبات المختلفة، أمراً مألوفاً في شوارع مدن المنطقة الشرقية، وخصوصاً في مدينة الدمام. وفي هذه المناظر "المألوفة" بات الخطر مختلطاً بإزعاج السائقين الذين يباغتون بعروض وسلع وأسعار وسط الزحام، وأثناء تحركهم في الشارع.
"الوطن" رصدت بعض المشاهد في مدينة الدمام، أثناء جولة ميدانية في عدد من المواقع التي يتواجد فيها هؤلاء الباعة الأطفال.
عند إحدى إشارات شارع الملك سعود في الدمام، كان أحد الأطفال يعرض سلعاً يحملها في كيس صغير، وعند محاولة الاقتراب منه وسؤاله عن دراسته، بدت عليه علامات الخوف، وأطلق ساقيه للريح، ليتوارى عن الأنظار.
وفي موقع آخر بالقرب من إحدى الإشارات المرورية الواقعة في طريق الملك فهد، قال لـ"الوطن" الطفل أحمد: "توقفت عن الدراسة منذ وفاة والدي بسبب سوء الحالة المادية لأسرتي، وبحكم أنني الابن الأكبر، كان لا بد لي من العمل لتوفير قوت أسرتي، ولم أجد أمامي إلا هذه المهنة، حيث أقوم ببيع بعض مستلزمات الزينة الخاصة بالسيارات عند إشارات المرور، وأبدأ عملي في صباح كل يوم مع بداية دوام الموظفين، حتى الساعة الثالثة عصراً، ثم أعود إلى البيت لأخذ قسط من الراحة، أعود بعدها إلى الميدان، لمواصلة بيع بضاعتي في أماكن معينة أختارها بعناية، وخاصة في المواقع التي تزدحم فيها السيارات عند إشارات معينة، لأخرج بمردود مادي في نهاية يوم عمل شاق، يصل أحياناً إلى 100 ريال، ويزيد عن ذلك في أيام أخرى".
وعند سؤال أحد الأطفال -الذي رفض الإفصاح عن اسمه- عن سبب عدم ذهابه إلى مدرسته، وتواجده وقت الدوام الرسمي للمدارس، عند إشارة مرورية على طريق الأمير محمد بن فهد في الدمام، قال: "كنت أدرس في الدمام ثم سافرت مع أهلي إلى منطقة جازان لظروف عائلية ومكثنا هناك لمدة عامين ثم عدنا إلى المنطقة الشرقية، وعندما أردت مواصلة دراستي ذهبت برفقة والدي إلى المدرسة لإكمال دراستي في الصف الرابع الابتدائي ولكن فوجئت برفض إدارة المدرسة، بحجة أنني كبرت بالعمر، وأصبح عمري لا يتناسب مع أعمار زملائي في الصف، ولم أجد أمامي بعد ذلك إلا البحث عن عمل أشغل به وقت فراغي وأستفيد منه مادياً، وبما أنني لم أستطع مواصلة تعليمي، فقد اتجهت لهذا النوع من العمل الذي لا يحتاج إلى شهادة، عبر بيع أدوات خاصة بزينة السيارات، وعطور مختلفة، ومياه شرب، ويتراوح دخلي ما بين 150 إلى 200 ريال".
وعن وجهة نظر أصحاب المركبات قال لـ"الوطن" تركي الحربي - قائد إحدى المركبات - إن: "وجود مثل هؤلاء الأطفال عند الإشارات الضوئية أصبح أمراً مزعجاً لقائدي المركبات، كما أنه قد يعرض حياتهم للخطر، وحوادث الدهس".
كما ناشد محمد اليوسف، صاحب إحدى المركبات، الجهات المعنية بمنع هؤلاء من البيع عند الإشارات، مطالباً بدراسة هذه الظاهرة من قبل المختصين، واصفاً وجود الأطفال عند الإشارات بالأمر المزعج، وقال: "بعض هؤلاء الأطفال يجبرك على أن تشتري منه عن طريق الاستعطاف والطرق على زجاج السيارة بشكل مستمر حتى يفتح صاحب السيارة النافذة، وبعد أن يشتري منه ينتقل إلى سيارة أخرى".
من جهته، أوضح لـ "الوطن" مدير العلاقات العامة والإعلام بأمانة المنطقة الشرقية محمود الرتوعي أن النظام يمنع البيع عند الإشارات المرورية، ولا يفرق بين الباعة الصغار وبين الباعة الكبار، مشيراً إلى أن هناك جولات رقابية لفرق البلديات لمنع الباعة المتجولين من البيع في الطرقات.