لن أستغل هذه الفرصة التي منحت لي في هذه الزاوية للكتابة عن الفن والتمثيل، ولا عن مسلسلات رمضان، بل سأستغلها للترويج لعمل خيري وإنساني من الدرجة الأولى، طالبا في ذلك الأجر من الله جل وعلا، انطلاقا من أنه للفن والضحك وقته، ولأعمال الخير في هذا الشهر الفضيل أجرها المضاعف.

حديثي هنا يتزامن مع الحملة التي أطلقتها الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان، والتي أتشرف بعضويتي فيها، والتي تمثل برنامجا سنويا يستمر طيلة شهر رمضان المبارك، لمساعدة مرضى السرطان في المملكة.

ولأن هذه الحملة تهدف إلى تقديم الخدمات الطبية والاجتماعية لمرضى السرطان للمرة الثانية لهذا العام تحت شعار "أنتم أملي بعد الله"، فإننا جميعا كمجتمع متماسك معنيون بدعم ومؤازرة هؤلاء المرضى...الحملة يأتي شعارها هذا العام ليشكل واقع مرضى السرطان، وما يعتصر قلوبهم وأجسادهم من ألم، يحتاج إلى العلاج العاجل الذي لا يصنعه إلا المال، ليصنع لهم العلاج "الأمل".

إن الحملة الخيرية التي أطلقت عبر إعلانات كبيرة في مختلف الواجهات عبر الشوارع والشاشات والمتنزهات والمراكز التجارية والمطاعم، ليس للترويج لمنتج أو سلعة أو عمل تمثيلي أو دراما رمضانية، بل هي دعوة للتماسك والتعاضد للتوجه نحو دعم ومؤازرة وعلاج مرضى السرطان.. دعوة تحتاج إلى تعاون الجهات في تنظيمها لتتضافر الجهود وتتكاتف نحو التوعية من هذا المرض الخبيث، والوقوف صفا واحد مؤازرا لمن يشكون ألم إصابته.

وبالرغم مما حققته هذه الحملة منذ بداية هذا الشهر الكريم، إلا أن من يعانون صرعات المرض، وآلام جروحه الغائرة، وأسرهم المكلومة ينتظرون منا ومنكم أكثر مما قُدم حتى الآن، خصوصا أن دعم الحملة لا يحتاج منا إلى جهد، أو الوقوف في طوابير زحام.

إن المطلوب منا جهد بسيط جدا مقابل دعم عمل إنساني كبير، هدفه توسيع نطاق خدمات الجمعية، واستفادة أكبر شريحة ممكنة من مرضى السرطان في المملكة من هذه الخدمات, وإن جميع فئات المجتمع يحتم عليها واجبها الديني وانتماؤها الوطني دعم مرضى السرطان، في ظل توافر هذا الدعم من خلال رسالة هاتفية على الرقم (5070)، لا تتجاوز قيمتها 10 ريالات تسهم في تقليل معاناة ألم المرضى.

ورسالتي للجميع هي أن زيارة واحدة لمرضى السرطان المنومين في المدن الطبية، تجعلنا أمام واقع ألم يعيشونه مع المرض.. واقع يحتم علينا مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم، عبر برنامج الدعم النفسي الذي تنظمه الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان في كل عام.

وأتعجب هنا من مواقف صادفتني خلال انطلاق الحملة، فموقف لأسرة خرجت من مركز تجاري تدفع أمامها 4 عربات مليئة بالأغذية استعدادا لرمضان، بما قيمته تتجاوز 3 آلاف ريال، وتتلكأ في دعم مرضى قهرهم الألم بعشرة ريالات فقط!، وموقف آخر لمواطن سعودي خرج من أحد مكاتب مبيعات التذاكر حاملا في يده تذاكر سفر له ولأسرته قيمتها 80 ألف ريال لقضاء الإجازة في لندن، ويرفض التبرع بعشرة ريالات لمريض بالسرطان!، وغيرها من المواقف.

إن هذه المواقف لا يمكن تعميمها على شعب حباه الله صفة "الكرم"، وعرف عنه الوقوف وقت الشدائد، وتميز أبنائه وبناته بالعمل التطوعي لمواجهة الكوارث، إنها مواقف لسرد قصص عدم الإحساس بألم المرض، وعدم الإحساس بمسؤولية المواطنة التي تحتم على الجميع الوقوف مع الجميع لمواجهة الصعاب.

وأمام ذلك لا ننسى مواقف أخرى سجلها آخرون، أملت عليهم إنسانيتهم حب الخير، وانطلقوا للدعم والمؤازرة، تدفعهم في ذلك وطنيتهم الحقة، وشعورهم بألم المرضى، فمسنة اقتطعت من ضمانها الشهري الذي لا يتجاوز 750 ريالا مبلغ عشرة ريالات لمساعدتهم، ومعوز انتقص من قوت أسرته 10 ريالات للتخفيف من معاناة مرضى السرطان.. إنها مواقف تتجاوز بصدقها أميال الرحلات إلى لندن بغرض السياحة.

وإنني في هذه الزاوية إذا أشكر هذه الصحيفة التي أتاحت لي كتابة ما يجول بخاطري، لأجدها فرصة لدعوة الخيّرين من أبناء وبنات الوطن، لمراجعة النفس، ومحاسبتها في كل ما يتعلق بالوقوف مع من يستحقون المساعدة، وخصوصا أولئك الذين ينهشهم المرض، وتتقطع أصواتهم من "الأنين".. مع أولئك الذين يسهرون قرب مرضاهم للتخفيف من ألمهم، مع الطفل الذي ينظر بعين يملؤها الدمع إلى والده أو والدته التي يفتت عظامها السرطان، مع الأم والأب الذي يعتصر قلبه ألم النظر إلى ابنه أو ابنته التي يمزق جسدها المرض الخبيث، ولننظر إلى حالنا الصحيح، ثم نسأل أنفسنا: هل تنقصنا عشرة ريالات تخفف ألم هؤلاء!؟